واشنطن | حين يتوجه الناخبون الأميركيون، اليوم، إلى صناديق الاقتراع، فإنهم لن يختاروا فقط الرئيس المقبل للولايات المتحدة، بل سيشاركون في مرحلة قد ينطوي عليها الكثير من التغيير في تركيبة البلاد السياسية وتوجهاتها العامة داخلياً وخارجياً. سيختار الناخبون الأميركيون كافة أعضاء مجلس النواب، وعددهم 435، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ المئة، إضافة إلى انتخاب عدد كبير من المسؤولين الأميركيين، الذين يخدمون في مناصب حكومية وقضائية، وعلى مستوى الولايات والمجالس المحلية. ويلاحظ أن وسائل الإعلام تركز بنحو كبير جداً على عملية انتخاب الرئيس الأميركي من دون المجلس التشريعي بغرفتيه النواب والشيوخ. وتكتسب انتخابات الكونغرس الأميركي أهمية خاصة، لا لأنها فقط الانتخابات التي يشترك فيها المواطن الأميركي مباشرة في إطار العملية الديموقراطية، ولكن لأن للكونغرس سلطات وصلاحيات مؤثرة على علاقات الولايات المتحدة الخارجية، وبالتالي يتجاوز دوره بكثير حدود الولايات المتحدة.
وتنبع أهمية انتخابات الكونغرس أولاً من الدور الكبير الذي يؤديه، وثانياً من طبيعة المرحلة الاستثنائية التي تعصف بالولايات المتحدة والعالم، حيث أمضت حكومة الرئيس باراك أوباما سنواتها الأربع في احتواء وإصلاح الأضرار التي ألحقها الرئيس السابق جورج بوش الابن وحكومته لمدّة ثماني سنوات على حد سواء، على صعيد السياسة الخارجية والأزمات الخارجية. وتأتي أيضاً في وقت يشهد فيه الوطن العربي حركة احتجاجات شعبية أطاح بعضها عدداً من أنظمة الحكم الموالية للولايات المتحدة، فيما تتردد في التدخل العسكري المباشر في سوريا.
ومن أبسط الأمثلة التي تؤكد أن دور الكونغرس لا يقل أهمية عن دور الرئيس، وقوف الكونغرس خلال عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن ضد اندفاع حكومته لشنّ حرب على إيران بعدما قدم العديد من الأعضاء الديموقراطيين، ومنهم المرشح لانتخابات الرئاسة الأميركية آنذاك السيناتور باراك أوباما، وبعض الجمهوريين مشروعات قوانين توجب على حكومة عدم الدخول في حرب ضدّ إيران إلا بموافقة من الكونغرس.
وفي هذا السياق، تُعَدّ انتخابات الكونغرس هذا العام مفصلية في تحديد التوجهات العامة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية، فإذا فاز أوباما بولاية رئاسية ثانية وتمكن الديموقراطيون من الحصول على أغلبية بارزة، فإن الفرعين التنفيذي والتشريعي للحكومة الفدرالية المقبلة سيكونان من الحزب الديموقراطي، ما قد يساعد أوباما على إحداث تحول جوهري في السياسة الخارجية، وخصوصاً أنّ أوباما يدعو إلى عودة الولايات المتحدة للعمل مع الشركاء الدوليين؛ لأنّها لا تستطيع منفردة أن تحلّ كل الأزمات العالمية، ويؤيد اتباع سياسة «الحوار أولاً» مع إيران، وقد يعمل على إعادة دور أميركا وسيطاً نشطاً في تسوية الصراع العربي ــ الإسرائيلي.
غير أن المؤشرات الانتخابية تبين استحالة فوز الديموقراطيين بالأغلبية في مجلس النواب، فيما يمكنهم الاحتفاظ بأغلبيتهم البسيطة في مجلس الشيوخ.
من جهة ثانية، يرى محللون أنه في حال فوز رومني، فإن وجود أغلبية ديموقراطية بالكونغرس سيقيد الإدارة الجديدة، إذا ما قررت خوض حرب يراها معظم النواب غير ضرورية، أو قرر رومني السير على درب أسلافه الجمهوريين، وخصوصاً بوش، حيث يلاحظ أن 17 من أبرز فريقه الاستشاري الـ 24 هم من بقايا إدارة بوش، وينتمي العديد منهم إلى تيار المحافظين الجدد.
ويرى خبراء أن قوة الدور الذي يؤديه الكونغرس يفوق نظيره في أي بلد ديموقراطي آخر يتبع النظام الجمهوري (أو الرئاسي)، ما يجعل وظيفته أقرب كثيراً إلى النظم البرلمانية.