في اليوم الثاني للقمة الأوروبية ــ الأفريقية حول اللجوء والهجرة في مالطا، وقّع القادة الأوروبيون والأفارقة أمس على اتفاق تأسيس «صندوق ائتماني» بقيمة 1.8 مليار يورو، ستموله 25 دولة عضو في الاتحاد، إلى جانب النرويج وسويسرا، بهدف معلن هو المساهمة في تنمية القارة السمراء، وذلك للحؤول دون اجتياز أبنائها البحر المتوسط، سعياً وراء حياة أفضل في أوروبا.
وفضلاً عن هزالة المبلغ المذكور، مقارنة بالناتج الإجمالي الأوروبي، حاول القادة الأوروبيون إبتزاز نظرائهم الأفارقة، بربط «إبقاء أبواب الهجرة الشرعية مفتوحة» بتعاون الأخيرين في الحد من تدفق اللاجئين، وفي إعادة من ترفضهم أوروبا إلى بلادهم المفقرة والمشتعلة بالصراعات، التي تساهم أوروبا بإذكائها.

«من أجل إبقاء الأبواب مفتوحة أمام اللاجئين والمهاجرين الشرعيين، يجب أن يُعاد المهاجرون غير الشرعيين بطريقة فعالة وسريعة» الى دولهم، قال رئيس المجلس الاوروبي، دونالد توسك، في القمة، مضيفاً أن الرحيل الطوعي لغير المرغوب فيهم أوروبياً هو أمر «مفضَّل»، لكن حين لا يكون الامر ممكنا، فإن الابعاد القسري يُعد «اساسا لسياسة هجرة فعالة». واقترح الإتحاد الأوروبي خطة تشرك سلطات الدول الأفريقية في ترحيل مواطنيها عن أوروبا، تتضمن مجيء مسؤولي هجرة افارقة إلى أوروبا، لمساعدة نظرائهم الاوروبيين على تحديد جنسية اللاجئين والمهاجرين «غير الشرعيين».

لكن القادة الأفارقة طالبوا نظراءهم الأوروبيين بمنح المزيد من تأشيرات الدخول لمواطنيهم، ما لم يلقَ ترحيباً أوروبياً. وقال رئيس ساحل العاج، الحسن وتارا، إن «الوضع الحالي يذكر شركاءنا الاوروبيين بضرورة تشجيع الهجرة الشرعية وحرية التنقل بين قارتينا». واضطر الاوروبيون إلى التعهد بمضاعفة عدد تأشيرات الدخول للطلاب والباحثين الافارقة تحديداً، بحسب مشروع خطة العمل التي اطلعت عليها وكالة فرانس برس.

ومثّل موضوع مساعدة السلطات الأفريقية لنظيراتها الأوروبية بترحيل اللاجئين والمهاجرين الأفارقة مشكلة لغالبية القادة الافارقة، حيث قال وتارا إن «إعادة المهاجرين إلى دولهم يجب ألا يكون الرد الوحيد لأوروبا في مواجهة المهاجرين الأفارقة، الذي يحتاج بعضهم للحماية».

وكانت الأمم المتحدة قد أعربت يوم أول من أمس عن قلقها لرؤية دول شمال اوروبا تخفض مساعدات التنمية للدول النامية، وتحويل جزء من هذه الأموال لتمويل النفقات المتعلقة باللجوء والهجرة على أراضيها. وتستعد فنلندا والنروج والسويد التي كانت عادة من الدول المانحة السخية لتخفيض مساعداتها للدول الفقيرة من خلال مشاريع الميزانية التي تدرسها برلماناتها. وأشار الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، إلى أن تحويل أموال مساعدات التنمية إلى استيعاب اللاجئين هو «أمر غير منتج»، حيث يقلص من فرص الملايين حول العالم لبناء حياة أفضل في بلدانهم، ما قد يدفعهم للهجرة.


دراغي: «الاستثمار» في الهجرة يقوي الاقتصاد الأوروبي

وفي السياق نفسه، حث البرلمان الأوروبي الدول الأعضاء في الاتحاد على الالتزام بتعهداتها بالمساهمة في تمويل الصندوق الذي يسعى لتحسين أوضاع السوريين المهجرين إلى دول الجوار، كي لا يواصلوا رحلتهم إلى أوروبا. وجاء ذلك بعد نقاش للبرلمان خلال جلسته العامة في بروكسل حول مشروع إنشاء «صندوق الاتحاد الأوروبي لدعم السوريين». وكانت المفوضية الاوروبية قد أعلنت في وقت سابق أن الصناديق الائتمانية الجديدة التي أنشئت من أجل سوريا وأفريقيا تحتاج لمساهمات أوروبية بقيمة 2.2 مليار يورو. وقالت نائبة رئيس المفوضية الأوروبية المسؤولة عن الميزانية، كريستالينا جورجييفا، إن «الاتحاد الأوروبي يمثل 20% من الاقتصاد العالمي، إلا أننا لا نساهم في الجهود الدولية في التنمية والمساعدات الإنسانية إلا بنسبة 15 % فقط... الوضعية المالية الجيدة (لدول الإتحاد) يجب ان تقترن بالشعور بالمسؤولية تجاه الآخر».

وبيّن عضو البرلمان الأوروبي، خوسيه مانويل فرنانديز، أن «الدول الاعضاء ستتلقى 2.3 مليار يورو من عائدات الغرامات والرسوم الجمركية، وهذا هو بالضبط المبلغ نفسه الذي يتيح ضمان التمويل اللازم للصندوقين، دون أي جهد مالي إضافي، وذلك لمعالجة أزمة اللاجئين من جذورها وبناء مستقبل أفضل لشعوب تلك الدول ومنع الحروب فيها».

وأبعد من ذلك، قال رئيس المفوضية، جان كلود يونكر، في القمة إنه «يجب ألا نعتبر أزمة الهجرة هذه كتهديد؛ يجب ان نعترف بالفرص التي تقدمها الهجرة». وأوضح رئيس البنك المركزي الأوروبي، ماريو دراغي، لمشرعي الاتحاد الأوروبي أمس اقتصاد أوروبا سيقوى إذا استثمرت الدول في جهود التعامل مع أزمة اللاجئين. وقال دراجي للجنة الشؤون الاقتصادية والمالية في البرلمان الأوروبي في بروكسل إن تدفق المهاجرين سيغير على نحو عميق النسيج الاجتماعي للقارة، لكن «إذا جرت إدارته على نحو ملائم، وإذا كانت هناك استثمارات في هذا التغيير، فسوف يخرج الاتحاد ومنطقة اليورو أقوى لاحقا».

(الأخبار، أ ف ب، رويترز، الأناضول)