مساء الخميس المقبل، سيكون الأميركيون على موعد مع المناظرة الثانية في البرنامج الانتخابي للرئاسة الأميركية لهذا العام، لكن ستكون هذه المرة بين نائبي الرئيس المرشحين: بول راين من الجانب الجمهوري، وجو بايدن من الجانب الديموقراطي. سيحاول بايدن ليلتها أن يعوّض التراجع الذي منيت به الحملة الديموقراطية بعد مناظرة باراك أوباما وميت رومني، فجر أمس، بعدما أجمع المراقبون على تفوّق الجمهوري فيها بدرجات.
وكل من شاهد المناظرة يستطيع أن يخرج بالانطباع نفسه: أوباما كان الطرف الأضعف، إذ بدا فاقداً للحيوية أو النشاط، ومتوتراً في بعض الأحيان، عكس منافسه الجمهوري الذي كان عدائياً ومتيقظاً طوال الوقت، منتبهاً لكل الأرقام ومجيباً عن كل النقاط التي طرحها الرئيس الأميركي. حتى إنّ بعض الصحافيين شبّهوا تصرف رومني بما فعله في المناظرة بينه وبين منافسه الجمهوري نيوت غينغريتش، قبل بداية الانتخابات الحزبية الداخلية في فلوريدا بداية العام الحالي. وقتها استطاع رومني حسم المعركة كلامياً قبل انتهائها فعلياً بعد فترة.
وأبرز ما غاب عن أوباما في المناظرة، التي كانت مخصصة للشؤون الداخلية الأميركية، عدم تطرقه إلى تصريح رومني عن الـ 47% من الأميركيين الذين يعتمدون على مساعدة الدولة (وظهر في شريط مسرب من اجتماع خاص مع مموليه)، وكذلك قضية رفض رومني حتى اليوم الإفصاح عن مقدار الضريبة التي يدفعها (وهي قضية هامة يتم انتقاد رومني عليها حتى من داخل حزبه). قد يكون أوباما نسي المسألتين أو تركهما للمناظرة المقبلة التي ستتناول الشؤون الداخلية والخارجية أيضاً، أو ربما لا يريد إثارتهما في المناظرات، بل في لقاءاته الشعبية (وهو ما لن يكون له التأثير نفسه).
لكن صحيفة «بوليتيكو» نقلت بعد المناظرة أنّه، وفق بعض مستشاري الرئيس، لم يتم الاتفاق على تجنب إثارة هذه المسائل، وقد يكون الرئيس عمد إلى ذلك كي لا يتهم بالتهجم الشخصي على منافسه، فيما قالت مجلة «ذا أتلانتيك» إنّ مستشاري رومني لم ينتظروا انتهاء الكلمة النهائية للمتنافسين ليبدأوا بتهنئة بعضهم بعضاً والشماتة بأوباما.
ومنذ البداية، توقع العديد من المراقبين أن يتمكن رومني من القضاء على أوباما بعدما بدأ المناظرة بالسخرية منه. إذ قال الرئيس فور بدء المناظرة إنّه يحتفل بعيد زواجه العشرين، فما كان من المرشح الجمهوري إلا أن قال له إنّه لم يختر مكاناً أكثر رومنسية للاحتفال بالمناسبة.
ومنذ البداية، دخل أوباما مباشرة في الموضوع الاقتصادي، معتبراً أنّ إدارته استطاعت زيادة الوظائف «إذ تم خلق نحو 5 ملايين وظيفة، وكذلك الإسكان بدأ يتصاعد». وأضاف إنّ خطته الاقتصادية تعتمد على الاستثمار الأمثل للطاقة وتخفيض الضرائب لجذب الاستثمارات ودفع المشروعات الصغيرة والاستفادة من الأموال التي سيتم توفيرها في الاستثمار وبناء أميركا وتقليل عجز الميزانية. وقال «سنأخذ بعض المال بما أننا ننهي حربين، ونعيد استثماره في أميركا». وأضاف إنّه سيوقف السياسات التي أدت إلى الكساد الكبير، داعياً الأثرياء إلى الوطنية الاقتصادية والمساعدة في دفع أميركا قدماً.
وقد رد رومني بالقول إن التعليم هو الأفضل للبلاد، وإنّه يستطيع «توفير ما يقرب من أربعة ملايين وظيفة من خلال مهارات التعليم والميزانية المتوازنة وإقامة المشروعات الصغيرة التي تستطيع خلق الوظائف». ولم ينس انتقاد أوباما الذي «كانت لديه رؤية أدارها في حكومة كبيرة والإنفاق الكثير والضرائب الكثيرة، هذه ليست الوجهة الصحيحة لأميركا... سوف أبذل قصارى جهدي لكي تعود أميركا مرة ثانية». واعتبر المرشح الجمهوري أنّ تدبير الوظائف ومعالجة عجز الميزانية لا يتمان بتخفيض الضرائب لما يقرب من خمسة تريليونات دولار. وأشار إلى عزمه على تخفيض الضرائب على الدخل وتشديد القروض، فرد أوباما مشيراً إلى عزم منافسه الجمهوري على تنفيذ خطة لاقتطاع ضرائب بقيمة 5 تريليونات دولار وإضافة تريليوني دولار في الإنفاق العسكري.
لكن رومني نفى ذلك، وقال «لن أقلص الضرائب التي يدفعها الأميركيون أصحاب الدخل المرتفع، ولن أزيد الضرائب على العائلات المتوسطة الدخل، بل سأخفضها»، ما دفع أوباما إلى القول إنّه لا يصدق كلامه هذا. وأضاف «طوال 18 شهراً، كان (رومني) يركز على الخطة الضريبية هذه وقد غيّر موقفه الآن قبل 5 أسابيع من الانتخابات الرئاسية».
واتهم رومني الرئيس المنتهية ولايته بمضاعفة عجز الموازنة خلال السنوات الأربع الماضية، وبأنه أضاف إلى الدين العام أكثر من الرؤساء السابقين للولايات المتحدة مجتمعين. ورفض أوباما هذه الاتهامات، وقال «عندما وصلت الى البيت الأبيض، كان هناك عجز في الميزانية بأكثر من تريليونَيْ دولار، ونعرف من أين جاء العجز... حربان دفعنا تكاليفهما عن طريق الائتمان... أيضاً إعفاءات ضريبية وبرامج لم يتم الدفع لها، وأزمة مالية واقتصادية هائلة... لكن تم اتخاذ إجراءات كي لا ننزلق إلى كساد عظيم... وتعاونّا مع الجمهوريين في ذلك».
هكذا بدأ رومني يميل نحو الوسط، ربما طمعاً بأصوات المترددين الذين لا يريدون انتخاب أوباما، بعد سجله الباهت في الوفاء بالوعود في سنواته في البيت الأبيض.
وفيما انصب جام غضب كل من يعتبر نفسه ليبرالياً على أوباما وتقاعسه أمام منافسه، فقد كان سخط الديموقراطيين والجمهوريين معاً على الصحافي جيم ليرر، مقدم برنامج «نيوزآور» (NewsHour) على محطة «بي بي إس» الحكومية (PBS) الذي أدار المناظرة، وبدا ضائعاً أيضاً وضعيفاً رغم خبرته الكبيرة في إدارة المناظرات الرئاسية.
المناظرة المقبلة ستكون على شكل اجتماع عام للبلدة، إذ سيتمكن الجمهور المشارك من طرح الأسئلة، وستكون في جامعة هوفسترا في نيويورك، في 16 تشرين الأول الحالي. واللقاء الأخير سيكون في 22 الشهر الحالي في «جامعة لين» في فلوريدا، وسيتناول السياسة الخارجية، وحينها يمكننا الحديث قبل حوالى أسبوعين من الانتخابات عمن يمتلك الحظ الأكبر.



تقدّم الجمهوري في الاستطلاعات

لن تظهر استطلاعات الرأي عن نتيجة المناظرة قبل يومين، لنعرف كيف تلقى الناخبون الأميركيون، وخصوصاً المترددين منهم، مواقف المرشحين. لكن قد يكون الاستطلاع الفوري الذي أجرته محطة «سي إن إن» على عيّنة صغيرة جداً (430 ناخباً مسجلاً) أعطى لمحة عامة: 67 في المئة من الناخبين اعتقدوا أنّ رومني كان الأفضل، مقابل 25 في المئة فقط لأوباما، وهي النتيجة الأعلى منذ 1984. وأغلب المستطلعين قالوا إنّ رومني قد يقوم بعمل أفضل من أوباما في مجالات الرعاية الصحية، وعجز الموازنة، والضرائب والاقتصاد. كما قال 35 في المئة إنّ مشاهدة المناظرة جعلتهم يفضلون التصويت لرومني، مقابل 18 في المئة اختاروا الرئيس المنتهية ولايته، فيما قال 47 في المئة إنّ قراراهم لا يتأثر بالمناظرة ومجرياتها ونتيجتها. وكان مستشار أوباما، ديفيد اكسلرود، قد قال بعد المناظرة إنّه يتوقع أن يتقدم رومني ما بين نقطة وثلاث نقاط في استطلاعات الرأي في الأيام المقبلة.
وكان استطلاع راسموسن ليوم الأربعاء قد أظهر تقدم أوباما على مستوى البلاد ككل بنقطتين، إذ نال 49 في المئة من الأصوات مقابل 47 في المئة لمنافسه الجمهوري.