اسطنبول | يعقد حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في تركيا، غداً مؤتمره العام الثالث وسط نقاشات مصيرية ومهمة حول مستقبل الحزب والديموقراطية في تركيا، فضلاً عن الدور التركي السياسي والعقائدي في المنطقة. ومن المتوقع أن يشارك في المؤتمر عدد كبير من القيادات السياسية والدينية العربية والإسلامية، وأهمها الرئيس المصري محمد مرسي، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» خالد مشعل، وزعيم حركة «النهضة» التونسية، راشد الغنوشي. وسيسعى أردوغان، من خلالهم ومن خلال أمثالهم من القيادات العربية والإسلامية المشاركة، إلى توجيه رسائل مهمة للداخل والخارج (عربياً وإقليمياً ودولياً)، لكي يقول للجميع إنه قد أصبح أقوى من خلال هؤلاء المشاركين الذين جاؤوا من دول «الربيع العربي» الإسلامي.
وعلى الصعيد الداخلي، يعرف الجميع أن هذا المؤتمر سيقرر أيضاً مصير أردوغان وحزب العدالة والتنمية، لأن النظام الداخلي للحزب يمنع على أي مسؤول حزبي ترشيح نفسه أكثر من ثلاث مرات لعضوية البرلمان، وبالتالي الحصول على أي حقيبة وزارية. هذا الأمر يعني أن أردوغان، وهو زعيم الحزب، لن يترشح ومعه عدد كبير من الوزراء الحاليين لعضوية البرلمان في انتخابات تموز 2015. في المقابل، بات معروفاً أن أردوغان سيرشح نفسه لانتخابات رئاسة الجمهورية التي ستجري في أيار 2014، حين ستنتهي ولاية الرئيس الحالي عبد الله غول، مؤسـس حزب العدالة والتنمية وأول رئيس وزراء له بعد انتخابات تشرين الثاني 2002.
وتتحدث المعلومات عن سيناريوهات مختلفة حول مستقبل الحزب والبلاد في حال انتخاب أردوغان رئيساً للجمهورية عبر التصويت الشعبي المباشر، وهو ما سيضمن له دخول القصر الجمهوري في ظل المعطيات الحالية. اذ لا يوجد له أي منافس جدي من المعارضة اليسارية، الممثلة في حزب الشعب الجمهوري والقوى المؤيدة له. وما دامت غالبية الشعب التركي يمينية ومحافظة في طبعها وسلوكها العام، فإن هذا الأمر يزيد من حظوظ أردوغان أمام أي منافس يساري أو ليبرالي.
في موازاة ذلك، يستمر النقاش في الشارع السياسي والإعلامي حول البدائل المحتملة لأردوغان في رئاسة الحكومة، على الرغم من أن البعض يقول إن التجربة الروسية قد تتكرر في تركيا، من خلال التناوب في المناصب بين غول وأردوغان على غرار فلاديمير بوتين وديمتري مدفيديف. لكن آخرين يستبعدون مثل هذا الاحتمال. ويقولون إن غول قد يصبح أميناً عاماً لحلف شمالي الأطلسي أو الأمم المتحدة، فيما سيقرر أردوغان مصير الشخص الذي سيخلفه في رئاسة الحكومة. وقد يكون هذا الشخص وزير الخارجية، أحمد داوود أوغلو، لكن ذلك مرتبط بالسناريوهات الخاصة بالاتفاقيات والتفاهمات بين أنقرة وواشنطن في ما يتعلق بمستقبل تركيا والمنطقة، في ضوء تطورات الوضع في سوريا وانعكاساته على لبنان والعراق وإيران بشكل خاص.
كما يقف أردوغان أمام تحدي الفوز بولاية ثالثة واخيرة على رأس الحزب، إذ لا يسمح النظام الداخلي لحزب العدالة والتنمية الا بثلاث ولايات رئاسية متتالية، وبالتالي سيشكل هذا المؤتمر وفق المراقبين مناسبة لظهور الاسماء المرشحة لخلافة اردوغان. ومن بين هؤلاء الخلفاء المحتملين، نعمان كورتولموش، القائد السابق لحزب محافظ والمنضوي حديثاً في حزب اردوغان، وهو قد يتقدم الى منصب رئيس الحزب حالماً يغادر اردوغان (58 عاماً) مهامه.
ويعقد الأميركيون آمالاً كبيرة على الدور التركي في هذه المنطقة، التي يبدو أن الثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو يخططان لأن يكونا لاعبين أساسيين فيها. هذا إن لم يضحّ أردوغان بداوود أوغلو في اللحظة الأخيرة، محملاً إياه فشل السياسات التركية في سوريا. وقد يدفع ذلك أردوغان، لوضع خطط استراتيجية بالنسبة له ولتركيا مع الحديث عن مساعيه لتحويل النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي بدلاً من النظام البرلماني الحالي.
ويستمر المختصون في الحزب في دراسة النظام الفرنسي والأميركي للتأكد أياً من هذين النظامين هو الأنسب بالنسبة لتركيا. وهو ما سيقرره في نهاية المطاف، رئيس الحكومة، الذي قرر حتى الآن كل صغيرة وكبيرة في الحزب والدولة، بعدما وضع حداً نهائياً لدور المنافس الأهم والأقوى والأخطر، أي العسكر، في الحياة السياسية، وسيطر على جميع مرافق ومؤسـسات الدولة التركية، بما في ذلك أغلبية وسائل الإعلام الخاصة أيضاً. وقد أصبح أردوغان مادة دسمة للصحف الكاريكاتورية التي تصوره سلطاناً عثمانياً يقرر مصير كل شيء بفرماناته السلطانية ذات الطابع الديني والسياسي، ولا سيما أنه يرى في نفسه امتداداً للدولة العثمانية بقوميتها ودينها وأمبراطوريتها بل وحتى ثقافتها. فقد انضوت تقريباً كل الحركات الإسلامية والأحزاب اليمينية التقليدية تحت راية العدالة والتنمية، الذي تخلى طوعاً وتنازل عن أيديولوجيته العقائدية الدينية خلافاً لحزب الرفاه الإسلامي بزعامة رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان. ولا يفوت يوم إلا ويتحدث الإعلاميون عن الطبقة الغنية الجديدة من البرجوازية «الإسلامية» التي استفادت من حكم العدالة والتنمية. ويقولون إنه كلما زاد عدد هؤلاء، ابتعد العدالة والتنمية عن ايديولوجيته الدينية، التي باتت تكتسب طابع العادات والتقاليد وتفرغ الإسلام من معانيه الجوهرية. فقد وصف أردوغان فيلم «براءة المسلمين» بأنه استفزازي، وناشد المواطنين الأتراك التهرب من أي رد فعل عنيف على الفيلم. فلم يخرج أي من المواطنين إلى الشوارع. وهو الحال بالنسبة لإسرائيل وقضية سفينة مرمرة التي قتل فيها 9 من المواطنين الأتراك. فقد نسيهم أردوغان إلى جانب جميع الإسلاميين الأتراك. كما لم يتذكر أحد منهم الحصار على غزة وتلك الملايين التي كانت تخرج من أجل فلسطين ويريد لها أردوغان الآن أن تتضامن مع الجيش السوري الحر. كل ذلك يحدث دون أن يكون هناك أي اعتراض من أي شخص داخل قيادة الحزب على قرارات أردوغان. ولم تسجل اعتراضات طيلة السنوات العشر الماضية عليها باستثناء بعض الحالات التي انتهت بنهاية حياة المنتقدين السياسية. ومن هؤلاء أهم مؤسـسي العدالة والتنمية، نائب رئيس الوزراء، وزير المالية السابق، عبد اللطيف شنار، الذي اختلف مع أردوغان حول العديد من القضايا الاستراتيجية، فاضطر لتقديم استقالته من الحزب صيف 2007 ثم انتهى. وهذا ما يثبت عدم وجود أي مراكز قوى أو تيارات سياسية وأيديولوجية داخل الحزب. كما يثبت ما جرى أن الحاكم المطلق له هو رجب طيب أردوغان.
وبالتأكيد فإن هذه السيطرة لم تظهر من العدم، وفي مقدمتها ما له من كاريزما شخصية يعرف الجميع أنه بدونها، قد يواجه العدالة والتنمية مشاكل داخلية، بعد أن يصبح أردوغان رئيساً للجمهورية مع استمرار النظام البرلماني الحالي حيث سيكون صعباً عليه التحكم في مصير الحزب والحكومة، باعتبار أن الدستور الحالي لا يعترف لرئيس الجمهورية بصلاحيات واسعة. وهو ما لا ولن يقبل به أردوغان، إلا في حالة واحدة، وهي أن يجعل من ابنته سمية، زعيمة للحزب ورئيسة للوزراء حسب أحاديث الكواليس السياسية. وبهذه الحالة يصبح هو كإسلامي رئيساً للجمهورية، فيما تصبح ابنته أول رئيسة وزراء محجبة في جمهورية علمانية تستعد للاحتفال بذكرى قيامها المئوية عام 2023 .
لكن رياح السفن قد لا تجري أبداً كما يشتهي أردوغان وحسبما تحقق له ذلك حتى الآن. فمصير التطورات في سوريا سلباً كان أم إيجاباً، هو الذي سيقرر مصير أردوغان وحساباته السياسية والعقائدية أيضاً. فإن بقي الرئيس السوري، بشار الأسد، في السلطة وأفشل المشروع الأميركي الخاص بالإسلام المنسجم مع المخططات الأميركية، فحينها ستكون حسابات أردوغان صعبة جداً داخلياً وخارجياً. وستواجه تركيا حينها الكثير من المشاكل الداخلية التي ستمنع أردوغان من تطبيق مشروعه الشخصي، مع انعكاس ذلك على المشروع الأميركي الخاص بالمنطقة عموماً.
ويعرف الجميع أن واشنطن ومعها العواصم الغربية تسعى لتصدير التجربة الأردوغانية إلى الدول العربية التي تحكمها أو ستحكمها أحزاب إسلامية وتحديداً الإخوان المسلمين، كما سوقت هذه العواصم خلال السنوات الماضية للتجربة الأتاتوركية العلمانية إلى دول المنطقة. يحدث كل ذلك دون أن يغيب عن بال العواصم الغربية الآن، أن السعودية ومذهبها الوهابي لم ولن يرتاح لهذا النموذج التركي الإسلامي عقائدياً ومذهبياً وسياسياً. وحارب الوهابيون الدولة العثمانية، ومن بعدها الجمهورية الأتاتوركية العلمانية. والآن لا يرتاحون للجمهورية التركية الثانية المقربة عقائدياً وسياسياً من المنافس الجديد لهم، أي قطر. وبات واضحاً أن المخطط الأميركي الآن يسعى للتخلص من الأيديولوجية الأتاتوركية بكل آثارها على المجتمع التركي والمنطقة حتى يتم تحويل تركيا إلى دولة إسلامية جديدة. وما يسمى بالربيع العربي، استهدف الجمهوريات التي تأثر مثقفوها بالتجربة الأتاتوركية بكل ايجابياتها وسلبياتها، مثل ليبيا ومصر والجزائر وتونس وسوريا. كما تأثر إسلاميو هذه الدول الآن بالتجربة الأردوغانية التركية الآن بتسويق أميركي ناجح وعلى الأقل حتى الآن. ودون أن يخطر على بال أحد دراسة هذه التجربة، بكل جوانبها السياسية والعقائدية والدينية، بل حتى الاجتماعية والثقافية والنفسية.



المالكي يعتذر عن عدم المشاركة

اعتذر رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي (الصورة)، أمس عن تلبية دعوة وجهها اليه نظيره التركي رجب طيب اردوغان لزيارة تركيا والمشاركة في مؤتمر حزب العدالة والتنمية «لازدحام جدول اعماله». وقال علي الموسوي المستشار الإعلامي للمالكي، إن «رئيس الوزراء نوري المالكي اعتذر عن تلبية دعوة أردوغان»، مشدداً على أن «الاحجام عن زيارة تركيا جاء لازدحام جدول اعمال المالكي ومشاغله».
وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد وجه دعوات الى كل من المالكي، ورئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، والأمين العام للحزب الإسلامي العراقي أياد السامرائي، للمشاركة بذكرى تأسيس حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات العراقية ــ التركية فتورا ملحوظاً، ولاسيما بعد لجوء نائب رئيس الجمهورية العراقي الذي صدر بحقه حكم بالإعدام طارق الهاشمي إلى تركيا.