ممّا يميّز زيارة رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للولايات المتحدة عمّا سبقها من زيارات، هو أنها الأولى بعد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1»، وبعد مرحلة من التجاذبات والانتقادات المتبادلة على خلفية الموقف من هذا الاتفاق. ويأتي اللقاء بين الرئيس الأميركي باراك أوباما ونتنياهو تتويجاً لسلسلة من اللقاءات والاتصالات المعلنة وغير المعلنة، التي تتعلق بمرحلة ما بعد الاتفاق، ومحطة تأسيسية للتنسيق الأميركي ــ الإسرائيلي، في مواجهة مفاعيل الاتفاق النووي والمستجدات التي تشهدها سوريا والمنطقة.
وهو ما يفسّر تزخيم الحديث عن الدعم الأميركي لإسرائيل، خلال العقد المقبل، وضرورة رفعه إلى مستويات غير مسبوقة، بمعدل خمسة مليارات دولار كل سنة، بحسب ما تمّ تسريبه في الأيام الماضية.
مع ذلك، يبقى المسار الفلسطيني حاضراً، بشكل أو بآخر، ولكن ليس كقضية تستوجب حلاً فورياً، فيما يبدو أن الإدارة الأميركية اقتنعت بأن أمراً كهذا لن يتحقق، على الأقل في ظل إدارة أوباما، وإنما كقضية فرضت نفسها بعد الهبة الشعبية الفلسطينية الأخيرة التي استدرجت تدخلاً دولياً، ورفعت مستوى القلق في عواصم القرار الدولي من تدحرج التطورات نحو مواجهة تعيد إنتاج انتفاضة واسعة تشمل الضفة الغربية ومناطق الـ48. ضمن هذا الإطار، سيعمد نتنياهو، تنفيذاً لاستراتيجية مسبقة، إلى استبدال الحديث عن ضرورة حلّ الدولتين والخطوات العملية في هذا المسار، بالحديث عن «مبادرات نوايا حسنة» إسرائيلية، استناداً إلى مبدأ «إدارة الصراع» الذي يتبنّاه نتنياهو ويطبّقه عملياً، كبديل من «حلّ الصراع» الذي يفرض عليه القيام بانسحابات من الضفة الغربية.

الإدارة الأميركية اقتنعت بأن حلّ الدولتين لن يتحقق خلال ولاية أوباما

وكان نتنياهو قد عقد جلسة للمجلس الوزاري المصغر، لمناقشة سفره إلى الولايات المتحدة، وطلب من الوزراء عرض أفكار للموضوعات التي سيطرحها أمام أوباما، وقدم أمامهم أسس الاحتياجات الأمنية التي سيعرضها على الرئيس الأميركي، كجزء من المفاوضات من أجل تطوير قدرات الجيش الإسرائيلي، في أعقاب الاتفاق النووي مع إيران. ولفت نتنياهو الانتباه أيضاً إلى أنه يرغب في الذهاب إلى واشنطن وبيده حزمة من الخطوات التي تبني الثقة مع الفلسطينيين، وتتضمّن خطوات ميدانية لتحسين واستقرار الوضع في الضفة.
على هذه الخلفية، أكد مستشار الأمن القومي لنتنياهو، يوسي كوهين، خلال لقاء مع سفراء الاتحاد الأوروبي لدى إسرائيل، يوم الاثنين الماضي، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ينوي أن يطرح أمام أوباما رزمة «مبادرة نية حسنة» تجاه الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما نقلت صحيفة «هآرتس». وأضافت الصحيفة نقلاً عن مسؤولين حكوميين إسرائيليين رفيعي المستوى، أن كوهين تحدث مع مستشارة الأمن القومي الأميركي، سوزان رايس، بشأن هذه المبادرات، لكنه لم يعرض تفاصيلها. وأوضح أنه لم يتّخذ قراراً نهائياً بشأنها، بسبب معارضة بعض الوزراء الأعضاء في المجلس الوزاري المصغر، من ضمنهم وزير التربية والتعليم نفتالي بينيت.
وبخصوص الجهة التي تقف وراء هذه الخطوة، ذكرت «هآرتس» أن منسّق أعمال الحكومة يوآف مردخاي، وقائد الجبهة الوسطى للجيش الإسرائيلي روني نوما، يعملان على بلورة هذه المبادرات التي تتضمن خفض مستوى الاحتكاك بين الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة، عبر إزالة حواجز عسكرية وتسهيل حركة الفلسطينيين، وخطوات «لتحسين» الوضع الاقتصادي والمصادقة على مشاريع في مجال البنى التحتية والمصادقة على خريطة هيكلية فلسطينية في مناطق «ج» الخاضعة لسيطرة أمنية وإدارية إسرائيلية، وخطوات أخرى تجاه قطاع غزة. ومن الطبيعي أن لا تشمل هذه المبادرات إعلاناً بوقف الاستيطان. وكما ذكرت «هآرتس»، من المتوقع أن لا يتحدث نتنياهو عن حلّ الدولتين، معتبراً أنه لا يوجد شريك للسلام في الجانب الفلسطيني.
وكان مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، روب مالي، قد أوضح، خلال حديث مع الصحافيين، أن أوباما يريد أن يسمع عن خطوات لتهدئة التوتر في القدس والضفة، وأنه بات مقتنعاً بعدم إمكانية التوصل إلى اتفاق إسرائيلي ــ فلسطيني، خلال الفترة المتبقية من ولايته. مع ذلك، أضاف مالي أن أوباما يريد أن يسمع من نتنياهو عن خطوات من أجل منع حلّ الدولة الواحدة. وبحسب صحيفة «هآرتس»، فإن التقارير التي قدمها مسؤولون كبار في الإدارة الأميركية لوسائل الإعلام، تدل على تغيير في قالب نظرة الولايات المتحدة إلى النزاع الإسرائيلي ــ الفلسطيني. ذلك أنه للمرة الأولى بدأوا في البيت الأبيض ووزارة الخارجية في واشنطن القول، بشكل علني، إن الواقع في الضفة يتحول إلى أن يكون دولة واحدة لشعبين. وأما في ما يتعلق بموقف نتنياهو، الذي يؤكد فيه رفضه خيار الدولة الواحدة أو الثنائية القومية، فقد رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، جون كيربي، أن «السؤال الحقيقي: ما هي الخطوات العملية وأي سياسة هو على استعداد لاعتمادها من أجل منع هذه النتيجة».
إلى ذلك، نشرت «هآرتس» مقتطفات من مقالين لوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ونظيره الألماني فرانك فولتير شتاينماير، لمناسبة انعقاد مؤتمر «إسرائيل للسلام». وممّا ذكره فابيوس أن «من أقنعوا أنفسهم وحاولوا إقناع الآخرين بأنه يمكن إدارة وضع دبلوماسي راهن، فشلوا في فهم الصورة والاتجاه السلبي الذي ترسمه تجاه إسرائيل». ورأى أن الاشتعال الأخير يجسد بشكل مأساوي هذا التوجه. وعبّر فابيوس عن قلقه من تبلور واقع الدولة الواحدة التي تهدد طابع إسرائيل، وعن اقتناعه بأن الطريق الوحيد للسلام الدائم هو حلّ الدولتين. كذلك أكد أن حل الدولتين لا يزال العامل الحاسم في تحقيق التهدئة في المنطقة كلها. من جهته، ذكر شتاينماير أن قيام الدولة الفلسطينية هو السيناريو الوحيد الذي يمكنه ضمان أمن إسرائيل، ويمكن لحل دبلوماسي فقط أن يوقف سفك الدماء.