أنقرة | قدّم حزب «العدالة والتنمية» الحاكم في آذار الماضي رزمة من الإصلاحات التعليمية، أثارت انتقادات الأحزاب السياسية الأخرى، واتحادات التعليم وبعض الأهالي، لكونها تخفض السنّ الدراسية وتنصّ على تدريس مواد دينية اختيارية، على أن يكون هناك مادة إلزامية لكل تلميذ. وتمنح التلميذ خيار التوجه إلى التعليم الديني المهني المعروف بـ«الإمام الخطيب» في سنّ مبكرة.
ورفعت هذه الإصلاحات المثيرة للجدل التعليم الإلزامي من 8 إلى 12 عاماً. ويشار إلى هذه الإصلاحات بـ 4+4+4، لأنها تتوخى 4 سنوات من التعليم الابتدائي وأربعة للمتوسط وأربعة للثانوي. وبعد السنوات الأربع الأولى، يُطلب من التلميذ أن يأخذ مواد اختيارية بحقول مختلفة، كالعلوم الاجتماعية، وعلوم الفيزياء، الفن أو الدين. وهذا سيؤدي إلى تخصص مبكر جداً للتلميذ. وعندما يُنهي التلاميذ سنواتهم الأربع التالية، يتوجهون إلى المدارس الثانوية أو المهنية.
مع ذلك، سيكون هناك استثناء واحد يمكّن التلاميذ الراغبين من أن يرتادوا مدارس «إمام خطيب» الدينية، بعد إنهاء السنوات الأربع الأولى من الدراسة. وقبل هذه الإصلاحات، كان يمكن التلاميذ أن يرتادوا المدارس الدينية فقط بعد إنهاء السنوات الدراسية الثماني، أي عندما يبلغون سن الـ 14. وإن كان التلميذ يرغب في ارتياد المدارس المهنية غير الدينية، فعليه أن ينتظر إلى الصف التاسع.
إضافة إلى ذلك، فإن التلاميذ سيتلقون علومهم الدينية، وإن لم يختاروا التوجه إلى المدارس الدينية، وذلك من خلال مواد اختيارية كالقرآن والسيرة النبوية واللغة العربية، وذلك بعد الصف الرابع. وسيطلب من الفتيات أن يضعن غطاءً على رؤوسهن خلال حضور هذه الصفوف، فيما قبل هذه الإصلاحات لم يكن يسمح للفتيات بأن يغطين رؤوسهن في المدارس التركية.
أما إذا اختار التلميذ عدم التوجه إلى المدارس الدينية وعدم اختيار مواد دينية خلال دراسته النظامية، فعليه أن يأخذ على الأقل صفاً دينياً إجبارياً واحداً، وفق ما ينص عليه القانون.
معارضو هذه الإصلاحات يجادلون في أنّ السبب الرئيسي وراء خفض سنّ الدخول إلى المدرسة من 72 شهراً إلى 60 شهراً هو جعل التعليم الديني مبكراً قدر الإمكان. ويرون أن الحكومة تحاول أن تلغي علمنة النظام التعليمي التركي، ويتهمونها بالتصرف وفق منطق الانتقام من تدخل العسكري في 28 شباط 1997، حين أُغلقت مدارس «الإمام الخطيب» المتوسطة. ويستدلون على ذلك بقول رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، عندما مرر البرلمان التركي قانون الإصلاحات في آذار الماضي، إن «الأثر الأكثر أهمية في انقلاب 28 شباط قد أُزيل».
من جهتها، ترى عضو لجنة التعليم في البرلمان، أيي توبراك، من حزب المعارضة الرئيسي «الشعب الجمهوري»، أن الإصلاحات تهدف إلى أسلمة التعليم. وتضيف: «إنها فكرة جيدة أن نقدم مواد اختيارية للتلاميذ بحسب قدراتهم، لكن سن التاسعة أو العاشرة مبكرة جداً لهم على ذلك. الهدف هنا هو إعطاء التعليم الديني في أقرب وقت ممكن».
وتقول تورباك إنه في بعض المدارس سيكون هناك ضغط مزدوج على التلاميذ وأهاليهم من أجل اختيار دروس دينية، وإن كانوا غير راغبين بذلك. وتتابع: «وفي الوقت الذي يتلقى فيه غالبية التلاميذ مواد دينية، فإن الذين لا يرغبون بذلك سيشعرون بضغوط الآخرين عليهم».
وسيكون التعليم الديني في المرحلة الثانية مماثلاً، ووفقاً لمذهب الدولة، أي السني. لكن إذا كانت هناك مطالب للمذاهب والطوائف الأخرى، فإن وزارة التعليم ستنظر بالأمر، بحسب القانون، مع أنه لا يبدو واضحاً بعد كيف سيكون ذلك.
ولفتت تورباك إلى أن العلويين هم ضد التعليم الديني الإلزامي، وتقدموا بدعوى ضد هذا الأمر أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وربحوا القضية. وبحسب رزمة الإصلاحات، لديهم الحق في طلب مواد اختيارية لأبنائهم، لكن ليس واضحاً بعد كيف سيكون ذلك. وقالت تورباك إن «هذا الحق لن يطبق على الأرجح».
وعندما كانت السنّ الدراسية 72 شهراً العام الماضي، قبل الإصلاحات، بدأ نحو 300 ألف تلميذ عامهم الدراسي الأول، لكن هذا العام انخفض إلى 60 شهراً. وبموجب هذا التعديل، تضاعف أعداد تلاميذ السنة الأولى ليقاربوا 700 ألف تلميذ؛ إذ سيكون الأطفال من عمر خمس وست سنوات في الصف نفسه.
والتعليم الابتدائي في تركيا إلزامي، بحيث يتعين على الأطفال الذين بلغوا 60 شهراً أن يذهبوا إلى أقرب مدرسة من منزلهم، وإن لم يظهروا في المدرسة يدفع أهاليهم غرامة قدرها 250 دولاراً عن كل طفل، إضافة إلى 7 دولارات إضافية عن كل يوم دراسي لا يحضره أطفالهم. وفي حال إصرار الأهل على عدم إرسال أطفالهم إلى المدرسة يعاقبون بالسجن.
بعض الأهالي الذي يرون أن أطفالهم غير جاهزين للمدرسة يحاولون أن يستحصلوا على تقارير طبية بذلك. وكان أردوغان قد اعتبر في حديث تلفزيوني هذه التقارير الطبية بأنها «خيانة من الأهل لأطفالهم». وقال: «هم يصفون أطفالهم بأنهم غير مؤهلين».
من جهته، أكد وزير التعليم الوطني، عمر دينسر، أن من عارض هذه الإصلاحات التعليمية هم فقط أعضاء ومناصرون لحزب العمل الكردستاني، لأنه ينص على تعليم مبكر. وأضاف: «هؤلاء الذين قالوا احصلوا على تقارير طبية هم مناصرون لحزب العمل الكردستاني. يريدوننا أن نكفّ عن تعليم الأطفال في تركيا».



صفوف مزدحمة ومشاكل أخرى

بالنسبة إلى التلاميذ والأساتذة والأهل، فإن خفض السن الدراسية سيؤدي إلى مشاكل إضافية، بينها الازدحام داخل الصفوف؛ ففي بعض الحالات، يتوقع أن يبلغ عدد التلاميذ في الصف الواحد 80 تلميذاً.
إضافة إلى ذلك، سلّط الأهالي ونقابات الأساتذة الضوء على الافتقار إلى المرافق الحيوية اللازمة داخل المدارس لاستيعاب مثل هذا العدد. وبحسب تقرير للاتحاد العمالي للتعليم والعلوم، فإن معدل طول الفتاة في عمر الخامسة هو 94 إلى 115 سنتيمتراً، والمرافق الحالية الموجودة داخل المدرسة، كالحمامات والطاولات الدراسية، مرتفعة كثيراً لطفل بهذا الطول.
مشكلة أخرى أشار إليها الاتحاد، هي أنه في السنة الدراسية الأولى سيوضع الأطفال في سن الـ 60 شهراً مع أطفال في سن 83 شهراً.
وهكذا فإن الأطفال الأصغر سناً سيجدون صعوبة في التعلّم بسبب مهاراتهم الأقل نمواً.