«Visca el Barça i Visca Catalunya». هذه هي العبارة التي كانت دائماً العنوان لاحتفالات نادي برشلونة لكرة القدم بانتصاراته وانجازاته على الصعيدين المحلي والعالمي. العبارة التي تعني «يعيش برشلونة وتعيش كاتالونيا»، تختصر من دون شك مدى الارتباط بين ناد رياضي وقضية سياسية كانا فيها معاً منذ زمنٍ بعيد. ولا يخفى ان هذه العبارة تتلاقى مع الشعار الأزلي لنادي برشلونة، وهو «Mes Que Un Club» أي «أكثر من ناد». شعار ربما يبدو بالنسبة الى البعض مسألة تفاخر النادي الكاتالوني بانجازاته في ملاعب كرة القدم، لكن حقيقة الأمر عن كثب تبدو اكبر من الفكرة التي كوّنها غالبية مشجعي الفريق الكاتالوني حول العالم، اذ ان هذا الشعار يحمل رسالة التفوّق الرياضي في كل الميادين، اضافةً الى رفعه رسالة سياسية بأنه جزء من «الثورة» القديمة لسكان الاقليم في وجه حكومة العاصمة الاسبانية مدريد. اذاً «أكثر من ناد» له رسائل عدة بعيداً من الرياضة ايضاً، اذ ان هذا الشعار يخفي في طياته «الروح المتمرّدة» لسكان اقليم كاتالونيا، الذين لم يجدوا إلا في ناديهم اداة فعالة لاحراج حكّام العاصمة مدريد عبر تحجيم ناديهم الشهير ريال مدريد في الرياضة، بعدما عانوا الأمرّين منذ ايام الديكتاتور فرانكو، وتمّ رفض منحهم الحكم الذاتي، ما جعل العداء للحكومة الاسبانية اكبر مع مرور الزمن.
من هنا، يمكن اعتبار أن نادي برشلونة يشكّل «الجناح الرياضي» للثائرين في كاتالونيا، وغالباً ما يترك اداريوه ومدربوه ولاعبوه تأثيرهم في القضايا السياسية ولو من خلال تصريحٍ بسيط وقصير. وهذا الامر كان واضحاً أخيراً عندما هبّ المدرب السابق للفريق، جوسيب غوارديولا، مواكباً التطورات السياسية الحاصلة في التجاذب بين الاقليم والعاصمة، اذ طالب باستقلال كاتالونيا، في تطورٍ لافت لموقف احد الرياضيين المؤثرين في البلاد. وكما هو معلوم كانت حركة الرياضيين الكاتالونيين لدعم مطالب مسقط رأسهم هي ارتداءهم ذاك القميص المخطط بالاحمر والازرق الخاص بنادي برشلونة والنزول الى الملعب للتغلب على الغريم ريال مدريد الملقّب بـ«النادي الملكي»، نسبة الى انتمائه الجغرافي.
ولم تتوقف الامور عند غوارديولا، اذ إن رموزاً من النادي الكاتالوني ذهبوا الى المشاركة في تظاهرة مطالبة باستقلال الإقليم الواقع شمال شرقي إسبانيا، بينهم رئيس النادي ساندرو روسيل ومدرب الفريق الحالي تيتو فيلانوفا وقائده المدافع كارليس بويول. وبالطبع تشير هذه المشاركة الى ان «البرسا» هو مؤسسة رياضية ليست بمنأى ابداً عن الصراع السياسي القائم، وهذا ما يثير امتعاض مدريد دائماً، وخصوصاً عندما يرفع جمهور برشلونة لافتات ضخمة في ملعب «كامب نو» الخاص بالنادي تحمل عبارة «كاتالونيا ليست اسبانيا».
كذلك، مخطئ من يعتقد ان النادي الكروي لا يستعمل كوسيلة في احيانٍ كثيرة لزيادة الضغط في السياسة، اذ اثيرت اخيراً جلبة واسعة في الاوساط السياسية المدريدية عندما نشرت صحيفة «سبورت» الرياضية الكاتالونية صورة قالت انها ستكون القميص الرديف لفريق برشلونة في الموسم المقبل. وهذا القميص كان عبارة عن الوان العلم الكاتالوني الاصفر والاحمر، في خطوة لاقت ترحيباً كبيراً من انصار النادي، مقابل تحليلات في الصحف المدريدية تشير الى ان الشركة المصنّعة لقمصان برشلونة تريد ان تستغل الآن فورة الكاتالونيين في السياسة لرفع معدل البيع، اذ قلّة هم مشجعو «البلاوغرانا» الذين لن يهرعوا الى المتاجر لشراء قميص يرتبطون معه جسدياً وروحياً.
وسبق هذه «الثورة الكروية» الكثير من الكلام عن دور اللاعبين الكاتالونيين في الانجازات التي حققها المنتخب الاسباني في الاعوام الاخيرة، حيث توّج بطلاً للعالم ولأوروبا، وذلك بفضل عددٍ كبير من افراد فريق برشلونة الذين كانت لهم اليد الطولى في البطولات المحققة. من هنا، كانت دعوة أخرى الى الاستقلال وجعل هذه المواهب حصراً على منتخبٍ يحمل اسم كاتالونيا ايذاناً بجلب المجد الى «الإقليم المظلوم»، بحسب قاطنيه، في شتى المجالات. علماً ان هذا المنتخب موجود اصلاً لكن ليس بشكلٍ رسمي، بل يقتصر ظهوره على مباريات ودية مع منتخبات مختلفة بحيث يتم استدعاء جميع اللاعبين الذين ولدوا في كاتالونيا ويقودهم غالباً الهولندي الشهير يوهان كرويف، الكاتالوني الهوى، وهو الذي اعتمد برشلونة مقراً لإقامته واطلق على نجله الذي لعب للفريق ايضاً اسم جوردي تيّمناً بالقديس الشهير في «المدينة الأزلية».
الآن يبدو منسوب التوتر اعلى بكثير من ذاك الذي تشهده مباريات «إل كلاسيكو» بين العدوّين برشلونة وريال مدريد، اذ ان لاعبين سابقين دخلوا على خط الصراع السياسي الحاصل، وآخرهم المهاجم السابق ألفونسو بيريز، الذي لعب للفريقين المذكورين، لكن دماءه المدريدية تحركت في داخله عندما سمع تصريح غوارديولا فردّ عليه متسائلاً: «اذا كنت تعتبر نفسك انك غير اسباني، فلماذا لعبت لمنتخب اسبانيا سابقاً؟».
وتكثر الحكايا الرياضية التي تختلط بهذا الصراع السياسي القديم، ومنها ظهور غريم آخر مؤازر لحكم العاصمة في قلب الاقليم، وهو نادي «اسبانيول»، الذي من اشهر افعاله قيامه عام 1918 بجمع تواقيع على عريضة مضادة تعارض الحكم الذاتي في كاتالونيا. لكن تبقى افعال فرانكو، المشجّع لريال مدريد، الأكثر تأثيراً في النفوس وزيادة للكراهية بين المعسكرين، اذ اجبر لاعبي برشلونة مراراً على خسارة مباريات ضد الفريق الملكي، واشهرها عام 1943، اذ انتهى الشوط الاول بتقدّم الفريق الكاتالوني بهدفٍ نظيف، فأرسل الديكتاتور رجال الأمن الى غرف الملابس ليبلغوا لاعبي برشلونة بأنهم سيقتلون وعائلاتهم في حال لم يخسروا المباراة، فرَسَت النتيجة النهائية على فوز ريال مدريد بنتيجة 11-1، ما دفع الاتحاد الاسباني لكرة القدم الى الغائها لاحقاً.
اذاً، مباريات «إل كلاسيكو» بين الطرفين المتنازعين كروياً هي ابعد من لعبة رياضية، اذ انها استكمال لحربٍ باردة بين معسكرين يحاول كل منهما يومياً استقطاب اهم النجوم او سرقة احدهم من الناحية الاخرى، فالهدف الدائم للمدريديين هو اخضاع الكاتالونيين مهما كلّف الامر، بينما يرى هؤلاء الثائرون ان جزءاً اساسياً من نجاح ثورتهم يمرّ من ملعب «كامب نو»، فإلحاق الهزيمة بريال مدريد هو وصمة عار تلصق بحكومة العاصمة.