برازيليا | لم يعتد سكان حي "باري" في ساوباولو رؤية فرق كبيرة من رجال الأمن المقنعين وهم يقتحمون أحد المنازل المحاطة بأسلاك كهربائية وكاميرات تغطي الجهات الأربع. ظن كثيرون للوهلة الأولى أن المنزل قد تعرض لعملية سرقة، وما هي إلا دقائق حتى تبيّن أن الشرطة الفدرالية ألقت القبض على أفراد مجموعة تعمل على تبييض الأموال لمصلحة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
جاءت عملية الاقتحام بعد أشهر من الرصد والتحريات التي كشفت عن تبييض ما يزيد على 50 مليون ريال برازيلي، أي ما يعادل 15 مليون دولار أميركي، على مدى 3 أعوام، إضافة إلى استخدام بطاقات مزورة وإنشاء شركات وهمية. وساهمت المجموعة الداعشية في حملة دعائية على مواقع التواصل الاجتماعي، تؤيد الإعدامات والمجازر التي ترتكبها الجماعات المتطرفة في العراق وسوريا ولبنان، وتستهزئ بصور تشييع شهداء المقاومة اللبنانية، وتبثّ موجة من التحريض الطائفي والمذهبي. وتباهى أبرز المتهمين، المدعو فراس علم الدين، بوضع الراية الداعشية كخلفية لحسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي، "فايسبوك".
ورغم أن الحادثة لا تشير إلى قرب تنفيذ التنظيم لمهمات أمنية عنيفة في المدى القريب، أكد مصدر أمني رفيع المستوى لـ"الأخبار" أن السلطات الأمنية البرازيلية تأخذ بعين الاعتبار إمكانية تمدد المجموعات الإرهابية إلى أراضيها، خصوصاً أن البلاد تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين السوريين والعراقيين، يحمل عدد كبير منهم وثائق مزورة. وتجدر الإشارة إلى أن قانون اللجوء البرازيلي متساهل من هذه الناحية، فهو يعكس تفهّم المشترع لأوضاع الهاربين من جحيم الحرب، وحاجتهم إلى الخروج من مناطق الصراع بأيّ وسيلة متاحة.

تبحث الاستخبارات
اللاتينية في إنشاء غرفة عمليات موحّدة لمكافحة الإرهاب

المعلومات الخاصة بـ"الأخبار" تشير إلى استنفار المخابرات البرازيلية والشرطة الفدرالية وتشديدهما المراقبة، بعد ورود معلومات سرية عن إمكانية استغلال المنظمات الإرهابية لأوضاع اللاجئين للتمدد في المناطق البرازيلية، بغية إنشاء قواعد انطلاق تجذب المناصرين، وتتلاعب على القوانين لإنشاء شركات وهمية تشكل غطاءً لحركة الأموال التي تصبّ في حسابات المتورطين.
حادثة ساوباولو هذه، والتي وقعت في الخامس من الشهر الفائت، وما زالت قيد التحقيق السري، كادت تتحول إلى حدث عابر، لولا الانتشار المفاجئ للقوات الأرجنتينية الخاصة في شوارع بوينس آيرس صباح يوم الجمعة الفائت، على إثر ورود معلومات دقيقة، بحسب وكالة الاستخبارات الأرجنتينية، عن كشف مخطط إرهابي لاستهداف مركزي "أوني سنتر" و"باستا" التجاريين، أكبر المراكز التجارية في بوينس آيرس.
وفي التفاصيل، أرسل مدير وكالة الاستخبارات الأرجنتينة، سيباستيان فرنانديز، توصية مستعجلة إلى القائد العام للشرطة الفدرالية الأرجنتينية، يسرد فيها المعطيات التي وردته من أحد الديبلوماسيين العاملين في الخارج، والتي تؤكد نية تنظيم إرهابي مرتبط بالقاعدة، يطلق على نفسه اسم "أنصار الدين،" القيام بعمليات أمنية تستهدف مراكز سياحية وتجارية في الأرجنتين. ودعا فرنانديز في رسالته إلى أخذ الإجراءات اللازمة، والتحري والتحقيق في وصول عدد من المهاجرين، ممن يحملون وثائق سفر مزورة، من جمهورية "مالي" الأفريقية. وعززت المعلومات الاستخبارية التي تلقتها الشرطة الفدرالية الأرجنتنية التهديدات التي أطلقها تنظيم "داعش" نهاية العام الماضي ضد الرئيسة الأرجنتينية، كريستينا دي كيرشنر، بسبب ما سمّته المنظمة العلاقة الوثيقة التي تربطها بالبابا الأرجنتيني فرنسيس، ودعوتها إلى قيام دولتين في فلسطين المحتلة.
وسط هذه الأجواء، نشطت الأجهزة الأمنية اللاتينية، التي باتت تترقب خطراً محدقاً من وراء المحيطات، بعد أن كانت في الماضي تستبعد أن تتحول أراضيها إلى مسرح للإرهاب. فالضغط العسكري الذي تواجهه الجماعات المسلحة في سوريا والعراق، وبحث تنظيم "الدولة" عن ممرات مالية واقتصادية إضافية، يجعل من الساحة اللاتينية هدفاً مغرياً. وفي هذا السياق، تشير معلومات إلى وجود مناصرين للتيارات التكفيرية "الجهادية" على امتداد خارطة أميركا الجنوبية، ومن هذه التيارات من يتمتع بنفوذ سياسي واقتصادي واسع.
لا يستبعد المصدر الأمني المذكور لجوء عدد من أجهزة الاستخبارات اللاتينية إلى إنشاء غرفة عمليات موحدة لمكافحة الإرهاب في القريب العاجل، تشرف على مسح دقيق وشامل يطال اللاجئين في الآونة الأخيرة، كما بعض المهاجرين القدماء والجدد، المشتبه في تأييدهم للجماعات الإرهابية. وقد يطال المسح المؤسسات الدينية التي تروّج في أروقتها للفكر المتطرف، وتتعاطى مع الأمر وكأنه حرية تعبير، فيما هو تحريض يهدد أمن البلاد واقتصادها، ويعاقب عليه القانون.
وعلى صعيد متصل، تشير أوساط إعلامية واجتماعية محلية إلى أن هذه الأحداث قد تكون فرصة سانحة للالتفات إلى دأب المؤسسة الدينية السعودية على إنشاء عدد كبير من الصروح الدينية في عدد من المدن اللاتينية، خصوصاً في البرازيل وتشيلي، بما يفوق حاجة المسلمين المقيمين. ولجأت المملكة في بعض الحالات إلى دفع ملايين الدولارات من أجل بناء مجمعات دينية في مدن لا يزيد عدد المنحدرين من أصول إسلامية فيها على بضع مئات. وتأتي الأموال السعودية هذه مرفقة بانتشار الدعوة الوهابية وبروز الخطابات التكفيرية، ما يثير الريبة في هذه الظاهرة التي باتت تحت المجهر الأمني.