رغم نزعته الماركسية ابان شبابه، اختار رئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، اسم ناشط اثيوبي أعدمته السلطات الشيوعية في الحبشة عام 1975، ليصير اسماً له بدلاً من ليغيس زيناوي، الذي اكتسبه عند مولده. فالرئيس الإثيوبي، الذي رحل أمس في أحد مستشفيات بلجيكا عن عمر يناهز 57 عاماً جراء مرض أصابه، أسس رابطة ماركسية لينينية خلال فترة نضاله ضد سلطة الجنرال منغيستو هايلي مريام، حيث كان يومها عضواً في جبهة تحرير شعب التيغراي، وهي الإثنية التي ينتمي اليها.
حياة زيناوي كانت حافلة بالقتال والدراسة والحب، فقبل أن يضع يده على السلطة كان متمرداً عليها في ساحات القتال، حيث عشق رفيقته المقاتلة، آزب مسفين، وأنجب منها ثلاثة أطفال (تترأس زوجته حالياً لجنة الشؤون الاجتماعية في البرلمان).
تنقّل ابن بلدة عدوة (حيث ولد في شمال إثيوبيا في 8 أيار 1955) بين مجالات متعددة، فبعدما أكمل تعليمه الثانوي في العاصمة، درس الطب في جامعة «هيلا سيلاسي» لمدة عامين، ثم قطع دراسته في العام 1975 ليلتحق بجبهة تحرير شعب التيغراي. ولم يكن قد تجاوز الـ25 من العمر عندما تولى قيادة الجبهة في عام 1979.
لكن توقفه عن دراسة الطب والتحاقه بالعمل العسكري في شمال البلاد لم يحل دون استكمال طموحاته الأكاديمية، فحصل على شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة البريطانية المفتوحة عام 1995، وفي تموز 2002، نال درجة الدكتوراة الفخرية من جامعة هنام في كوريا الجنوبية، وماجستير العلوم في الاقتصاد من جامعة إيراسموس الهولندية عام 2004.
أما طموحاته على مستوى النضال السياسي، فقد قام زيناوي بتوسيع دائرة الجبهة لتضم ناشطين من خارج قبائل التيغراي، ونجح بتأسيس «ائتلاف الجبهة الثورية الديموقراطية للشعب الإثيوبي» التي ضمّت مجموعات عرقية مختلفة. خطوة أتت أُكلها في أيار 1991، حين نجحت قوات الجبهة الثورية في دخول أديس أبابا، وهزيمة حكم الديكتاتور السابق هايلي مريام، الذي فرّ الى زيمبابوي.
وجاء دور زيناوي لترتيب وضع البيت الداخلي، فقام مع رفاقه بتشكيل سلطة انتقالية برئاسته، واضعاً حداً للحرب. وشغل منصب الرئيس من 28 ايار 1991 إلى 21 آب 1995. ثم اصبح رئيساً للوزراء منذ 22 آب 1995 حتى وفاته في 20 آب 2012. لكن إبان قيادته للسلطة الانتقالية، انفصلت إريتريا عن إثيوبيا عام 1993. وأُعلن في آب 1995 قيام جمهورية إثيوبيا الديموقراطية الاتحادية ذات النظام البرلماني.
وكأي سياسي في العالم، كان لزيناوي خصوم ومؤيدون، فخصومه اعتبروه مستبداً، بينما رأى فيه أنصاره صاحب رؤية، بل هو «آخر أباطرة إثيوبيا»، على حد وصف ديبلوماسي إثيوبي.
ثمة تقارير تؤكد أن إثيوبيا تقدّمت خلال حكمه نوعياً في الاقتصاد والانفتاح الخارجي، لكن كثيراً من المنظمات الحقوقية تتهمه بسحق التظاهرات بعد الانتخابات البرلمانية في العام 2010 وتدخله في الشؤون الدينية. وفي أيار 2010، اكتسحت الجبهة الثورية انتخابات البرلمان المكون من 547 مقعداً ليفوز زيناوي بولاية رابعة كرئيس للوزراء، وهي الانتخابات التي وصفها مراقبون من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بأنها لم ترق للمعايير الدولية.
لقد كان ميليس الى جانب الرواندي بول كاغامي والأوغندي يويري موسيفيني، من جيل القادة الأفارقة الذين وصلوا الى الحكم في نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات ورأى فيهم الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون، قادة ممكنين «لنهضة أفريقيا». لذلك، جعل الرجل بلاده تدريجياً حليفة رئيسية للأميركيين.
حلف تجلّى بإرساله في 2006، قوات إلى الصومال لطرد الإسلاميين من السلطة.
أما في ما يتعلق بمشروعه التنموي الاقتصادي، فلم ير المراقبون في ذلك سوى اطلالات إعلامية خدمت صورة الرئيس في الخارج، فيما ظل الشعب في الأرياف بمنأى عن نعمة التنمية. وربما لا يتذكر البعض من مرحلة ميليس زيناوي سوى حرب حدودية دامية مع اريتريا (1998 -2000) وتورط عسكري في الصومال (2006 - 2009 ثم في 2011) وبقاء إثيوبيا دولة من أفقر بلدان العالم.
لعل أبرز ردود الفعل على موته والتي أوردتها وكالة «فرانس برس» أمس، جاء على لسان رئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما، الذي أكد أن زيناوي كان «قائداً قوياً ليس في بلده فحسب بل في كل القارة الافريقية». وحول المرحلة المقبلة، أكد زوما أن جنوب افريقيا «واثقة من ان نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، هايليمريام ديسيلين، الذي سيكون رئيس الحكومة بالوكالة بموجب الدستور الاثيوبي، سيواصل العمل للابقاء على الاستقرار والسلام في المنطقة ليحمي بذلك إرث ميليس».
واعتبر الرئيس الكيني مواي كيباكي، زيناوي «قائداً براغماتياً وصاحب رؤية أمّنت الاستقرار لبلده ووضعته على طريق النمو الاقتصادي». اما اوغندا فرأت بوفاته «خسارة كبيرة لكل افريقيا.. لانه ساهم في التوصل الى حلول للمشاكل فيها».
على الضفة الأخرى كان هناك فرحون بموت زيناوي، فالمتحدث باسم حركة الشباب الصومالىة، علي محمد راجي، رأى أن «وفاة ميليس نبأ مفرح لكل الصوماليين». أما كلير بستون من منظمة العفو الدولية، فقالت إن «السنوات الـ 21 التي أمضاها ميليس في السلطة اتسمت بقمع متزايد وانتهاكات معممة لحقوق الانسان».