«على بعد سبعة وثمانين كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من أولنغدو تقع جزيرة وحيدة هي ملاذ للطيور. إن دوكدو هي أرضنا رغم ادعاءات الآخرين كلها»، هذا مقطع من أغنية يرنّمها الكوريون تؤكد تعلقهم بأرخبيل جزر دوكدو المتنازع عليه بين سيول وطوكيو. نزاع عاد الى دائرة الأحداث في 10 آب الحالي بعد زيارة مثيرة للجدل قام بها الرئيس الكوري لي ميونغ باك الى الأرخبيل.
الزيارة الى «جزر تاكيشيما»، كما تسميها اليابان، أثارت ردود فعل واسعة، إذ احتجت طوكيو، وقامت باستدعاء السفير الكوري لديها وسحب سفيرها من سيول. إلا أنها لقيت ارتياحاً في الشارع الكوري الجنوبي، حيث ذكر أحد المواطنين أن «هذه الجزر تابعة لكوريا الجنوبية ومن الطبيعي أن يقوم رئيسنا بزيارتها».
وبدت الزيارة محطة على سكة العلاقات الكورية الجنوبية ـــ اليابانية التي لا تعكّرها سوى بعض القضايا الخلافية. فإضافة إلى قضية الجزر، هناك قضية استغلال النساء الكوريات جنسياً من قبل الاحتلال الياباني قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
الأرخبيل كان دائماً محل نزاع بين اليابان، الدولة الاستعمارية تاريخياً، وكوريا الجنوبية، الحلقة الأضعف في المعادلة، ولا سيما أن اليابان استعمرت شبه الجزيرة الكورية لعقود طويلة، ونشبت حروب دموية بين البلدين. ورغم تحوّل طوكيو بعد الحرب العالمية الثانية الى معسكر الإمبريالية العالمية واصطفافها داخل هذه المنظومة الى جانب كوريا الجنوبية والولايات المتحدة في مواجهة الصين وروسيا وكوريا الشمالية، بقي النزاع بين الحليفتين اللدودتين حول هذا الأرخبيل من الموروثات التاريخية لحروب الامبراطورية اليابانية.
لعل البعد الجيو ــ استراتيجي لدوكدو هو أحد أهم الأسباب التي دفعت طوكيو للهيمنة على الجزر، ففي العام 1905 شعرت اليابان خلال حربها مع روسيا بأن هذه الجزر، الواقعة تقريباً في وسط بحر اليابان على مسافتين شبه متعادلتين بين ساحلي كوريا واليابان، تشكّل مركزاً استراتيجياً للجيش الياباني، فأعلنت انطلاقاً من هذه القناعة ضم دوكدو الى السلطة المُباشرة لحاكم جزر أوكي اليابانية الواقعة غرب البلاد. وفي آذار 2005 أعلنت ولاية شيماني اليابانية «يوم تاكيشيما» (الاسم الذي يطلقه اليابانيون على دوكدو).
اليابانيون يقولون إن دوكدو كانت جزيرة ليست ملكاً لأحد بعد الحرب الروسية اليابانية، لكن بحسب القسم المتعلق بـ«الادارة العسكرية» في معاهدة مانغي يورام المعقودة عام 1808، تعد جزيرة أولغندو ودوكدو أرض أوسان ــ غوك، السيادية (وهي الأراضي الكورية تاريخياً).
وتتسلح كوريا بوعد ياباني للملك الكوري سوك يونغ (من أسرة جوسون في القرن السابع عشر) بألّا يسمح للمواطنين اليابانيين بالإبحار الى اولغندو.
المفارقة أن غزو اليابان للجزر كان في منتصف القرن التاسع عشر، استجابة لـ«جماعة المنادين بغزو كوريا» في اليابان. ففي عام 1894 غزت اليابان جوسون (كوريا) بالتزامن مع حربها ضد الصين.
وظهر مشروع الهيمنة المُتجدد على الأرخبيل، المؤلف من 89 جزيرة صخرية، في 23 شباط 1904، حين طوّق الجيش الياباني القصر الملكي الكوري وأجبر الكوريين على توقيع اتفاقية ينص جزء منها على أن حكومة الامبراطور الكوري غو يونغ، تسمح لليابانيين باستخدام مناطق ذات قيمة استراتيجية حينما يرون ذلك مناسباً.
وكانت الخطوات التالية في محاولات الهيمنة، أن أقامت القوات اليابانية في أيلول من العام ذاته، برجي مراقبة في أولغندو. وابتغت القوات انشاء برج مراقبة في دوكدو، لكن في تلك الفترة تقدم التاجر الياباني ناكاي يوسابورو، الذي كان يعمل على احتكار صيد أسود البحر في بحر اليابان، الى الحكومة اليابانية بطلب مكتوب لضم الجزيرة الى اليابان.
وجاء رد وزارة الخارجية اليابانية على هذا الطلب على لسان مدير مكتب الشؤون السياسية في الوزارة آنذاك، يامازا إنجيرو، حيث قال: «عند هذا المُنعطف الزمني يصبح من الضرورة ضم دوكدو إلى أراضي اليابان. أليس من المرغوب فيه جداً إنشاء أبراج المُراقبة وخطوط كوابل البحرية واللاسلكي لتعقّب سفن العدو؟»، حسبما جاء في كتاب «ملخص الأعمال في دوكدو» لناكاي يوسابورو عام 1906.
وتذرعت اليابان بناكاي لتؤكد أن الجزيرة تابعة لها، فقد تضمن قرار الحكومة اليابانية في كانون الثاني عام 1905 الفقرة التالية: «تثبت الوثائق بوضوح أن رجلاً اسمه ناكاي يوسابورو، هاجر إلى هذه الجزر لممارسة مهنته في صيد الأسماك، وهذا دليل كاف حسب قانون المهن الدولي على أن لليابان الحق في بسط سلطتها عليها. لذلك أصدرت حكومتنا قراراً بإلحاق تلك الجزر بالمكتب الفرعي لجزر أوكي التابعة لولاية شيماني».
ولعل أبرز خطوات السيطرة كانت في نهاية تموز 1905، حين حاول اليابانيون إجبار جوسون (كوريا سابقاً) على التنازل عن مساحة أرض كبيرة للاستعمال العسكري في يونغسان وبيونغيانغ وويغو، وكانت أولغندو ودوكدو من بين المناطق التي سيطرت عليها اليابان لأنها ذات أهمية استراتيجية لليابانيين في حربهم ضد الروس.
ولا تزال هذه الجزر منطقة نزاع أو قد تكون ألغاماً مؤقتة للتفجير بين بلدين دخلا حلفاً واحداً منذ اكثر من 50 عاماً ضد الشيوعية، لكنهما لم يتوصلا الى اتفاق حول ملفّاتهما الخلافية، فبقيت الجزر مرتعاً لطيور النورس، في ظل تجاذبات سياسية من الصعب أن تتطور نحو الخيار العسكري في ظل انعدام التوازن بين البلدين.