ثمة خطوة تخدم اتجاهين مضادين في إسرائيل اليوم؛ الأول التمهيد وتهيئة الرأي العام الإسرائيلي لخوض حرب على إيران يعرف قادة إسرائيل أن جبهتهم الداخلية ستتعرض لمواجهة لم تختبرها طوال تاريخها، والثاني، محاولة تقييد الثنائي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إيهود باراك، عن خوض مغامرة يرى الكثيرون في إسرائيل أن كلفتها ستكون أكبر من جدواها.
رئيس الوزراء، من جهته، استغل جلسة الحكومة، لتوجيه رسالة إضافية أكد من خلالها جديته في موضوع مهاجمة إيران، ورد عبرها أيضاً على معارضي الهجوم، من عسكريين وسياسيين، الذين يتخوفون من استهداف العمق الإسرائيلي، بالتشديد على أن «كل التهديدات التي تتعرض لها الجبهة الداخلية أقل خطورة بكثير من التهديد الإيراني الذي يختلف عنها من ناحية الحجم والماهية»، مؤكداً ضرورة عدم السماح لإيران بامتلاك السلاح النووي.
وأضاف نتنياهو، في خطوة تهدف إلى إعداد الجمهور لخوض حرب مؤلمة وقاسية، إنه يعقد كل أسبوعين جلسة نقاش خاصة بإعداد الجبهة الداخلية للحرب، مشيراً إلى أن «الحكومات الإسرائيلية لم ترصد خلال السنوات الماضية ما يكفي من الأموال لهذا الغرض». ولفت أيضاً إلى أنه حرص على إحداث «تغيير كبير جداً في فترة حكومتنا» لإعداد الجبهة الداخلية عبر «استثمار المليارات، وتعزيز منظومات الإنذار، ومنظومات الاعتراض الصاروخي، مثل القبة الحديدية و«حيتس»، إضافة إلى التحصين وقدرات أخرى»، رغم أنه عاد وأكد «عدم إمكان القول بأنه لا وجود لمشاكل في هذا المجال، بل دائماً هناك مشاكل».
وأوضح نتنياهو أنه سيُعيّن في الأيام المقبلة بديلاً لوزير الجبهة الداخلية متان فيلنائي الذي تم تعيينه سفيراً لإسرائيل لدى الصين، «من أجل مواصلة هذا العمل ومعالجة الموضوع»، معلّلاً ذلك بأنه «يولي أهمية كبيرة لهذا المنصب، ويريد أن يبقى هناك استمرار ولا يحصل انقطاع في معالجة هذا المجال المهم».
أيضاً، أحدثت التعديلات التي صادقت عليها الحكومة الإسرائيلية، في نظامها الداخلي، ومنحت نتنياهو مزيداً من الصلاحيات، أصداء وردود فعل وضعتها في سياق التمهيد لمغامرة عسكرية ضد إيران، رغم تأكيد مكتب الحكومة على أبعادها التقنية. إذ أيدت غالبية وزراء الحكومة تعديلات، «غير مسبوقة»، تم بموجبها توسيع صلاحيات رئيس الحكومة، لجهة أنه بات قادراً على تأخير تنفيذ القرارات التي مرت في اللجان الوزارية، وإعادة إجراء نقاش إضافي وتحديد أشكال التصويت في الحكومة.
في المقابل، وصف رئيس حزب كديما شاؤول موفاز هذه التعديلات بأنها «عملية التفاف على معارضة» القيادة الأمنية التي تحذّر من مهاجمة إيران في الوقت الحالي، فيما حذرت رئيسة حزب «العمل»، شيلي يحيموفيتش، من خطوات نتنياهو التي تهدد الديموقراطية وتمكنه من اتخاذ قرارات مصيرية من دون إجراء نقاش في الحكومة.
أما وزير الدفاع السابق، عمير بيرتس، فرأى أن هذه التعديلات تعزز الشعور بأن رئيس الحكومة سيفعل كل شيء للامتناع عن نقاشات معمّقة وشفافة، وهو ما يتعارض مع النظام الديموقراطي»، في حين رأى آخرون أن الخطوة الوحيدة التي بقيت لنتنياهو هي أن يعلن نفسه القيصر الأول».
أما لجهة الهبة الإعلامية الاستثنائية، في الساحة الإسرائيلية، في مقاربة إمكان مهاجمة إسرائيل للمنشآت النووية الإيرانية، فقد حذّر العديد من الشخصيات السياسية والوزارية من نتائج النقاش العام الذي يجري في وسائل الإعلام في الدولة العبرية، والذي «يمس أمن الدولة ويهدف الى تقويض أسس النظام الديموقراطي، ويحد من قدرة المستوى السياسي في اتخاذ القرارات».
إلى ذلك، أعلن سكرتير الحكومة الإسرائيلية، تسفي هاوزير، خلال مقابلة أجرتها معه الإذاعة الاسرائيلية، أن «النقاش العام الذي يدور حول الملف النووي الإيراني يتضمن تفوهات مرعبة لأسس النظام الديموقراطي، بما في ذلك النداءات بأن يفرض المستوى العسكري موقفه على المستوى السياسي».
بدوره، اعتبر وزير المالية يوفال شطاينتس أن «النقاش في هذا الموضوع الأمني الحساس غير ممكن، ويمكن أن يضر بأمن الدولة». كما انضم رئيس البيت اليهودي الوزير دانيال هرشكوبيتس، وآخرون الى المحذرين من النقاش العلني في الموضوع الإيراني. أيضاً، أعرب الرئيس الأسبق للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، تساحي هنغبي، والذي عاد الى حزب الليكود بعد انشقاقه من حزب «كديما»، عن أن سيل العناوين والمقالات الإعلامية حول الملف الإيراني ما هو إلا تسيّب حقيقي تمارسه جهات تهدف الى تقييد أيدي الحكومة.
أما بخصوص الجهوزية الإسرائيلية، فقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، عن أنه بالرغم من أن إسرائيل استثمرت في السنوات الأخيرة مليارات الشواقل، إلا أنه من غير المؤكد على الإطلاق، أن «الذراع الطويلة» للجيش، المتمثلة بسلاح الجو، قادرة على توجيه ضربة ساحقة للمنشآت النووية الإيرانية، ومواجهة تداعيات هجوم كهذا.
وشددت الصحيفة على أنه من ناحية عملياتية، سيكون الهجوم على المنشآت الإيرانية أكثر تعقيداً بكثير من الهجوم على المفاعل في العراق، في عام 1981، أو المفاعل السوري في عام 2007، اللذين كانا مكشوفين للهجوم، أما إيران فسيكون من الصعب مفاجأتها، وخصوصاً أنها أخفت وحصنت كل منشآتها الاستراتيجية وأحاطتها بمنظومات دفاعية متطورة.
وأضافت «يديعوت» إنه سيكون مطلوباً من سلاح الجو أيضاً تخصيص 100 طائرة إف 15 (رعد) وإف 16 (عاصفة) على الأقل، وعشرات طائرات تزويد الوقود بالجو، لافتة الى أنه بحسب تقرير الكونغرس ليس لدى إسرائيل طائرات تكفي لمثل هذه المهمة. كما ينقص الجيش، بحسب تقرير الكونغرس أيضاً، مئات القنابل القادرة على اختراق التحصينات الإيرانية، فضلاً عن أن على إسرائيل الاستعداد لسيناريو إسقاط طائرات وأسر طيارين.
وحتى لو عاد كل الطيارين بسلام، فليس واضحاً ما إذا كانت المهمة ستتوّج بنجاح، فيما يقدرون في الغرب بأن أقصى ما تستطيع إسرائيل تنفيذه هو تأخير البرنامج لسنوات عدة.