قد لا تعرف الكثير عن شركة «جي فور أس»، لكنها بالتأكيد تعرف شيئاً عنك. كونها واحدة من أكبر شركات الخدمات الأمنية في العالم، تعمل «جي فور أس» في أكثر من 125 دولة، ولديها أكثر من 650 ألف موظف حول العالم، ويُعتقَد أنّها ثاني أكبر شركة خاصة عالمياً، بعد شركة «والمارت». تتولى مسؤولية الأمن في أكثر من 150 مطاراً في العالم، وفي شركات خاصة لا تُعَد ولا تُحصى. يتولى عناصرها وظيفة رجال شرطة في بريطانيا، وهي شركة الخدمات الأمنية الأساسية في أولمبياد لندن لعام 2012. وبسبب هذه المهام الأمنية الحساسة، تجعل «جي فور أس» شغلها الشاغل أن تعرف هويتك.
بعد بسط سيطرتها داخل قاعدتها التقليدية في أوروبا والولايات المتحدة، بدأت هذه الشركة البريطانية الدنماركية، المعروفة بتنافسيتها الشديدة، بالتوسع في الخارج، وكان الشرق الأوسط هو أحد أهدافها الرئيسة، مع عمليات في المنطقة تتجاوز قيمتها 410 ملايين دولار، ومع أقل من 50 ألف موظف.
تتضمن العقود التي كشفت عنها هذه الشركة، الملتزمة بالسرّية، في منطقة الشرق الأوسط، تقديم خدمات أمنية خاصة للمطارات في العراق والإمارات العربية المتحدة وقطر، في حين أنّها معروفة أيضاً بحراسة السفارات الأميركية والأوروبية في دولٍ في كافة أنحاء العالم العربي، كما في أفغانستان.
لكن لشركة «جي فور أس» جانب أكثر قتامة بكثير مما تسعى لترويجه كتيباتها الرسمية. فلقد ظهرت اتهامات تشير الى تورط الشركة في سوء معاملة المعتقلين البريطانيين، ثم ظهرت أدلة قاطعة على دورها في مساندة الاحتلال الاسرائيلي غير الشرعي للضفة الغربي.
وفي هذا الإطار، أصدرت مجموعة «هو بروفيتس»، التي تسعى إلى تسليط الضوء على الشركات الخاصة التي تجني المال من الاحتلال المستمر لفلسطين التاريخية، تقريراً يحدد أربعة أدوار أساسية تقوم بها شركة «جي فور أس» في الضفة الغربية: وهي «أولاً، تقديم تجهيزات وخدمات أمنية للسجون التي يُحتجَز فيها السجناء السياسيون الفلسطينيون داخل إسرائيل وفي الضفة الغربية المحتلة. وثانياً، تقديم خدمات أمنية إلى الشركات في المستوطنات. وثالثاً، تقديم تجهيزات وخدمات صيانة لنقاط التفتيش العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية. وأخيراً، تقديم أجهزة أمن لمقرات الشرطة الاسرائيلية في الضفة الغربية».
وتؤكّد مديرة مؤسسة «الضمير» لرعاية السجناء الفلسطينيين، سحر فرنسيس، أنّ السجون في إسرائيل والدعم المُقدَّم لمنشآت مماثلة، غير شرعيَّ بموجب القانون الدولي. وتوضح «وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة، يُحظَّر على دولة الاحتلال نقل الشعب المُحتَل، والمقصود هنا الفلسطينيون، من الأراضي المحتلة إلى داخل دولة الاحتلال». وتصف الظروف التي يتعرّض لها غالباً السجناء الفلسطينيون داخل هذه السجون، وتقول «يواجهون التفتيش العاري، العزل، الاعتداءات، ومنعهم من شراء أغراض من الكانتين». قبل أن تضيف «منذ العام الماضي، ألغوا تماماً كافة الأنظمة التعليمية، لا يُسمح لهم أن يدرسوا ولا يستطيعون الحصول على الكتب بسهولة؛ كذلك يُمنَعون غالباً من الزيارات العائلية، خصوصاً من أتى منهم من غزّة».

أوروبا تكافح والعرب صامتون
المفاجئ في قضية «جي فور أس» وجرائمها، هو أنّ السياسيين الأوروبيين، لا السياسيين العرب الذين يقاطعون، بمعظمهم، إسرائيل، هم الذين يقودون الحملة ضد تورط شركة «جي فور أس» في الاحتلال. وحتى وقتٍ سابق من هذا العام، كانت «جي فور أس» مسؤولة عن أمن مباني البرلمان الأوروبي، لكن على أثر حملة بقيادة النائبة الدنماركية، مارغريت أوكين، مُنِح العقد الأمني لشركة منافسة. وتقول أوكين لـ«الأخبار» «اعتقد أن استعمال هذه الحجة (لعدم تجديد العقد) ينم عن ذكاء المسؤولين في البرلمان الأوروبي، وإلا لكانوا سيواجهون الكثير من الدعاوى القضائية. اعتقد أنّهم كانوا سيكرهون تجديد العقد مع شركة «جي فور أس» بعد الحملة».
وتعرب أوكين عن دهشتها من عدم اهتمام الشخصيات البارزة في هذه الشركة بالدور الذي تؤديه في مساعدة احتلال غير شرعي. وتقول «عقدنا اجتماعات معها وهي عاجزة عن فهم المشكلة؛ وكأنها لا تدرك حقيقة أنّ المستوطنات غير شرعية». وتضيف «عندما قلنا لهم إنّهم يعملون لحساب قوة احتلال في أرضٍ محتلة، تصرفوا وكأنّ هذه المسألة مطروحة للنقاش السياسي. لكن وفقاً للقانون الدولي وقانون الاتحاد الأوروبي إنّها (المستوطنات) غير شرعية. يعتبر الاتحاد الأوروبي الاحتلال غير شرعي، وهذا ينطبق أيضاً على المستوطنات والجدار وعلى اعتقال سجناء فلسطينيين في السجون الاسرائيلية، جميعها أمور غير شرعية».
وتتعارض حملة الاتحاد الأوروبي هذه بوضوح مع صمت الدول العربية، بل بفتح بعضه أبوابه أمام خدماتها. ويتبجح التقرير السنوي للشركة بدورها في العراق، وتعبّر الشركة عن فخرها بالفوز بعقدٍ حكومي ضخم لتوفير أمن الطيران للمطار في بغداد. والواقع أنّ هذه المجموعة تنظر إلى الشرق الأوسط باعتباره إحدى مناطق النمو الأساسية بالنسبة إليها خلال السنوات المقبلة.
ويشرح تقرير الشركة أنّه «في الشرق الأوسط، تحقق نمو عضوي يفوق العشرة في المئة (باستثناء العراق)، وهذا أداءٌ ممتاز في المنطقة». ويضيف «كان أداء قطر ومصر ناشطاً بشكلٍ خاص، مع مساعدة قطر من خلال عقد المطار الجديد. وفي الامارات العربية المتحدة، تواجه الشركة تحديات بسبب نقص في توريد العمالة وبيئة الأعمال بشكلٍ عام في دبي، التي أثّرت على أعمالنا التجارية في مجال أنظمة الأمن، لكنها نجحت في الفوز بعقود (مثل مطار دبي) وفي تقديم الخدمات الأمنية خلال الأحداث الهامة».
وفي حين عمدت مصر والأردن وقطر وغيرها إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل إلى حدٍّ ما، يبقى لبنان واحداً من الدول القليلة في المنطقة التي يُفترض أنّها تتمسك بشدّة بمقاطعة جامعة الدول العربية لاسرائيل. وتفيد شروط المقاطعة بأنّه يُحظَر على الشركات التي تتعامل مع إسرائيل خارج الوطن العربي أن تعمل داخل الحدود اللبنانية.
ويقول هيثم بوّاب، من مكتب مقاطعة اسرائيل في وزارة الاقتصاد اللبنانية، إنّ طبيعة تورط شركة «جي فور أس» في سجون الاحتلال تفترض عدم السماح لهذه الشركة بالعمل. ويضيف أن «السماح للشركة بالعمل في لبنان يخالف قواعد المقاطعة التي تبناها لبنان. وإثر التحقيقات التي أجريناها، بعثنا برسالة إلى المكتب الرئيسي، طالبين مناقشة حظر الشركة خلال مؤتمر المقاطعة المقبل».
وعن ماهية العقوبات قيد الدرس، يوضح بوّاب أنّها «قد تتضمن حظر «جي فور أس» من العمل في الأراضي اللبنانية ومنع الشعب اللبناني والشركات الخاصة والحكومة من التعامل معها. بالاضافة إلى ذلك، لن يُسمح بدخول أي من منتجاتها إلى لبنان».
ولبنان هو الدولة الوحيدة التي طالبت باعتبار «جي فور أس» مُنتهِكة لقوانين المقاطعة. وتجدر الإشارة الى أنّ اقتراحاً أُرسِل العام الماضي إلى اللجنة المركزية لمقاطعة إسرائيل لم يُدرَس إلا حديثاً، مع عدم قيام أي دولة أخرى بإضافة مشاركتها إليه. ويعلّق بواب بتفاؤل «لدينا ما يكفي من المعلومات عن «جي فور أس» وقواعد المقاطعة تنطبق عليها. بالتالي لا حاجة إلى تأجيل اتخاذ قرار سيُتَّخذ على الأرجح خلال مؤتمر المقاطعة المقبل».
وينعقد مؤتمر المقاطعة عادة في دمشق كل ستة أشهر، لكن الفوضى السياسية في البلاد فرضت وضع كافة النشاطات المماثلة جانباً، وإلغاء المؤتمر الذي كان من المقرر أن ينعقد في نيسان. وثمة تعقيدات إضافية قد تحول دون عقد هذا المؤتمر في مكانٍ آخر، اذ من المرجح أن تمنع دول عدة المندوبين السوريين من الحضور لأسباب سياسية. وحتى اللحظة، لا يوجد هناك موعد محدد لانعقاد هذا المؤتمر.
ورغم هذا الدور اللبناني البارز، فان حملة مقاطعة «جي فور أس» قد تصادف معارضة من داخل لبنان. إضافة الى ذلك، فان نطاق عملها في لبنان غير واضح. ويقول بوّاب إنّه «لا يعرف تحديداً الأعمال التي قامت بها الشركة في البلاد». لكنّ مدير شركة خدمات أمنية خاصة منافسة أشار إلى أنّه لدى «جي فور أس» نحو مئة فرد تقريباً يعملون في البلاد «وليس غريباً أن ترى رجالاً يرتدون ملابس عليها شعار الشركة يحرسون شركات خاصة في منطقة الحمرا في بيروت».



مراجعة أمنية مع AUB لبنان


عند التعمّق بالبحث عن عمل «جي فور أس» في لبنان، اكتشفت «الأخبار» مستنداً سرياً يبين أنّ الشركة أجرت مراجعة أمنية لصالح الجامعة الأميركية في بيروت. يشرح هذا المستند، الذي يتألف من 60 صفحة، بالتفصيل تحسينات محتملة يمكن إدخالها على المستوى الأمني ويوصي بتسلم عملاء شركة «جي فور أس» زمام الأمور في ما يتعلّق بإدارة أمن الجامعة. ويدعو أيضاً إلى اعتماد تدابير أمنية أكثر صرامة في الحرم الجامعي المفتوح.
والواقع أنّ هذه الشركة تحظى بدعم شخصيات سياسية بارزة، بينها وزير الشباب والرياضة السابق سيبو هوفنانيان (الصورة). وفي حديث مع «الأخبار»، يؤكّد هوفنانيان أنّ نجله يملك أسهماً في الشركة لكنه ليس متورطاً بشكلٍ مباشر في إدارتها. ورفض التعليق على الدور الذي تؤديه الشركة في الضفة الغربية.