لأجل غير قصير، ستبقى أزمة اللجوء إلى أوروبا الشغل الشاغل لـ«القارة العجوز»، وللاتحاد الأوروبي، في ظلّ تصاعد قوّة اليمين الداعي للعودة إلى الدول الوطنية وتفضيل «المصالح القومية على حساب المصالح الأوروبية». وآخر الأمثلة فوز «حزب العدالة والقانون» البولندي المحافظ، بأغلبية 37.6 بالانتخابات النيابية الاثنين الماضي، بعد ثماني سنوات في صفوف المعارضة.
وهو حزب «شعبوي محافظ مناهض لأوروبا والاتحادي الأوروبي»، بحسب وكالة «فرانس برس». وبحسب وكالة «الأناضول» التركية، فإنها «المرة الأولى في تاريخ بولندا الحديثة، التي تلعب فيها قضية المهاجرين دوراً في معركة انتخابية»، وإن «الحكومة البولندية وافقت على استقبال 7000 لاجئ ضمن خطة الاتحاد الأوروبي لاستقبال اللاجئين، غير أن شريحة كبيرة من البولنديين تعارض بشدة استيعاب المسلمين».
وبذلك تعزّز بولندا «معسكر الدول المناهضة لأوروبا مثل بريطانيا»، بعد فوز الحزب «المعروف بمواقفه المناهضة لدول مثل روسيا وألمانيا»، بحسب «فرانس برس».
وبلا شكّ، تتصاعد حدّة العنصرية داخل المجتمعات الأوروبية تجاه اللاجئين بشكل مطّرد، مع ازدياد موجات النزوح من الحدود التركية المفتوحة والبحر المتوسط إلى الداخل الأوروبي، في خليط من العنصرية ضد «الغرباء» و«الإسلاموفوبيا» والعصبية الكاثوليكية الدينية المستجدة والشوفينية القومية، تُكَمِّل التوتر الذي ظهر إلى العلن مع اتضاح تفاصيل الأزمة الأوكرانية. وبحسب «روسيا اليوم»، فإن حزب العدالة والقانون البولندي «لعب على وتر خوف المجتمع البولندي الكاثوليكي المحافظ من المسلمين، وصرح مراراً بأن المهاجرين المسلمين يحملون الأمراض ويجلبونها إلى أوروبا». وفي مقاربة لردّ فعل الدول الكبرى على انتشار وباء «إيبولا» في أفريقيا، وموجة التعاطف التي أبدتها دولٌ كالولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا على وجه الخصوص، لمساعدة «الأفارقة الفقراء» في احتواء الوباء عبر إرسال خبراء ومتخصصين إلى الدول التي أصابها «إيبولا» في القارة السوداء، ليظهر لاحقاً أن الخبراء ليسوا سوى عسكريين، وأن مراكز الحجر الصحي تحوّلت مع الوقت إلى قواعد عسكرية، وأن «التعاطف الإنساني» لم يكن سوى ذريعة لحصار التمدد الصيني. ويمكن التساؤل في قضية اللاجئين عن خلفيات التعاطف الإنساني المستجد تحت عنوان «القيم الأوروبية» الذي يبديه بعض الأوروبيين، وهل ستكون الحالة الإعلامية والسياسية المرافقة رافعة لسياسات أميركا وبريطانيا الأطلسية في دول الاتحاد الأوروبي، وقطع الطريق على «الصحوة» الروسية الجديدة، ولا سيّما في دول البلقان؟

«التعاطف
الإنساني» لم يكن سوى ذريعة لحصار التمدّد الصيني

قبل أيام، توصّلت قمة مصغّرة في العاصمة البلجيكية بروكسل لدول الاتحاد الأوروبي، بـ«صعوبة» إلى شبه اتفاق على استقبال 100 ألف لاجئ في دول البلقان، في محاولة لحصر تدفّق اللاجئين العشوائي من الحدود التركية المفتوحة وتخفيف الضغط عن بعض الدول. واتفق أن تكون حصّة اليونان 50 ألف لاجئ في الأشهر المقبلة، وأن يوزّع الـ 50 ألفاً الباقين على دول البلقان الأخرى، التي تعدّ مدخلاً جغرافياً يعبره اللاجئون من البحر إلى الداخل الأوروبي.
إلّا أن «الأخبار» حصلت على معلومات من مصادر دبلوماسية، تشير إلى أن رئيس وزراء جمهورية الجبل الأسود الموالي للغرب ميلو ديوكانوفيتش، أبدى استعداد بلاده لاستقبال 120 ألف لاجئ، لقاء وعود من حلف الأطلسي بضم بلاده إلى الحلف، بحلول منتصف عام 2016، في استغلال سياسي جديد لأزمة اللاجئين، قد يزيد من حدّة الصراعات التي تستعر شيئاً فشيئاً في أوروبا.
ويبلغ حالياً تعداد سكّان الجبل الأسود نحو 650 ألف نسمة، بينهم «أقلية» مسلمة تبلغ نحو 100 ألف نسمة، وبنتيجة تنفيذ هذا القرار، سيصبح ثلث سكان الجمهورية من المسلمين. وكان ديوكانوفيتش قد أشار في مقابلة مع قناة «الجزيرة» في عام 2001، إلى خطته للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2010، مؤكّداً أن الانفصال عن صربيا يضمن الدخول إلى الاتحاد الأوروبي والأطلسي.
وفي عام 1999، كانت جمهورية الجبل الأسود وصربيا في قوام الاتحاد اليوغوسلافي الذي تعرض لعدوان من قاذفات الأطلسي، لكن فور انفصالها عن صربيا في عام 2006، أعلن ديوكانوفيتش أكثر من مرة أن بلده يجب أن يصبح عضواً في الأطلسي، وبأي ثمن.
وبحسب المعلومات المتوافرة، فإن بعض مجموعات المعارضة السورية المسلحة، بدأت تحث اللاجئين على التوجّه إلى جمهورية الجبل الأسود بالتعاون مع إحدى «الجمعيات الخيرية» التركية البارزة المقرّبة من قطر، التي تعمل على «مساعدة اللاجئين». وتشير المعلومات إلى أن المجموعات المسلحة التي توجّه اللاجئين السوريين صوب الجبل الأسود، تلقت وعوداً هي الأخرى برفع مستوى الدعم المالي والعسكري المقدّم لها سابقاً من دول قائدة في حلف الأطلسي. وتؤكّد المصادر الدبلوماسية أن المرحلة المقبلة ستشهد اتصالات بين المعارضة السورية المسلحة عبر «الائتلاف الوطني السوري» وحكومة بودغوريتسا (عاصمة الجبل الأسود). وبحسب المصادر، «على ديوكانوفيتش تنفيذ تعهداته من أجل الانضمام إلى الأطلسي وأن يتقبل كمية كبيرة من المسلمين في بلده»، متوقعةً أن «يؤدي هذا الأجراء إلى التوتر بين السكان المحليين واللاجئين».
في تموز الماضي، نشرت قناة «الجزيرة» القطرية معلومات دعائية حول الوضع «السيئ» للمسلمين في الجبل الأسود، وفي خلاصة وثائقي عرضته قبل نحو شهرين، فإن «المسلمين في الجبل الأسود يخضعون للطرد، ما يضطرهم إلى اعتناق المسيحية».
وفي الجمهورية البلقانية ما يكفي من الأزمات السياسية والاقتصادية، حيث تترافق المعلومات حول خطة استيعاب اللاجئين، مع اندلاع موجة احتجاجات شعبية، تقمعها الشرطة في العاصمة بودغوريتسا، اعتراضاً على الواقع الاقتصادي وعلى خطط الحكومة الانضمام إلى حلف الأطلسي. وقد اتهم ديوكانوفيتش الاستخبارات الروسية بالوقوف خلف موجة الاحتجاجات، وردّت الخارجية الروسية في بيان قبل أيام أكّدت فيه أن «مزاعم ديوكانوفيتش سببت حيرة كبيرة، فليس هناك أي دليل ملموس واحد يؤكد تورط روسيا في تصاعد التوترات الاجتماعية في الجبل الأسود، ولم يقدّم ديوكانوفيتش، ولا يمكن أن يقدّم، لأن هذا الدليل غير موجود». وأعربت الخارجية الروسية عن «قلقها من استعمال القوة المفرطة من قبل سلطات الجبل الأسود ضد المتظاهرين».