النظرة العامة إلى علاقات مصر الخارجية عقب الثورة توضح أنها سائرة عبر مسارين مختلفين، الأول شعبي يشتاق إلى المواجهة السريعة بعد ما وصلت إليه مصر من تقزيم في العصر الماضي، ورغبة في سرعة استرداد الكرامة المفقودة، عربياً ودولياً، وهو ما تجلى بالرغبة في الزحف نحو فلسطين في أيار 2011، والرغبة في الاستغناء عن المعونة الأميركية والرد القاسي «شعبياً» على احتجاز الناشط أحمد الجيزاوي في السعودية، والرد على تصريحات ضاحي خلفان القائد العام لشرطة دبي في الإمارات، وسخط شديد تجاه النظام السوري. أما على المسار الرسمي، فظهر تحرر تجاه استخدام أوراق مصر الاستراتيجية في المساومة، عبر السماح بمرور مدمرة إيرانية من قناة السويس، في خطوة اعتبرت رسالة لإسرائيل، تلتها خطوة الإقدام على إيقاف بيع الغاز لإسرائيل، والانفتاح النسبي في التعامل مع تركيا، والتخفيف من حدة الخطاب تجاه إيران وقطر، مع الاحتفاظ بمسار العلاقة مع الولايات المتحدة، مع تحفظ على التدخل في الشأن السوري، وتجاهل إسرائيل بشكل أو بآخر.إلا أن الأجواء التي جاء فيها الرئيس محمد مرسي، وخلفيته الإخوانية، ولدت أسئلة كثيرة في ظل تشابك العلاقات الدولية، ووجود رغبة شعبية بعودة دور مصر القائد في المنطقة، مع عدم الرغبة في التورط بنزاعات من شأنها إرهاق مصر مرة أخرى. فماذا عن سياسات الرئيس مرسي الخارجية؟
رئيس مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية، الدكتور مصطفى اللباد، أوضح أن الفريق المعاون لمرسي في السياسة الخارجية سيكشف بوضوح توجهات الرئيس، مؤكداً أن هذا الاختيار سيؤثر على انحيازات الرئيس الأيديولوجية والمهنية. ورغم ذلك، يرى اللباد أن الاتجاهات العامة لجماعة الإخوان تولي أهمية فائقة لتركيا، وترى أنها مهمة للاقتصاد المصري والسياسة الخارجية. كذلك توقع تحسّناً في العلاقات المصرية القطرية، مع «حلحلة» العلاقة مع إيران بحيث ستتحسن عما كانت عليه مع نظام مبارك. ورجح عدم تغير واضح مع الولايات المتحدة في المديين القصير والمتوسط، إلى جانب الانفتاح صوب محاور أخرى كالروسي والصيني ودول مثل جنوب أفريقيا.
وعن العلاقات مع الخليج، رأى اللباد أنه على الرغم من وجود شكوك عند دول الخليج تجاه الثورة المصرية، إلا أنه توقع تحسناً في هذه العلاقات أيضاً، مع انتظار وتمهل في ما يحدث الآن في السودان لما تمثله من أهمية لمصر في مسألة مياه النيل.
من جهته، اعتمد الباحث في شؤون السياسات الدولية، عمرو عبد العاطي، على تحليل خطابات مرسي قبل التنصيب وبعده، كمدخل لفهم ما قد يرغب أن ينفذه الرئيس الجدي من سياسات عامة. وتحدث لـ«الأخبار» عن عدم وجود رغبة كبيرة لدى مرسي بتغيير كبير في ما يتعلق بالسياسات الخارجية لمصر، وإن ظهر أن هناك بوادر تغيير «تكتيكي» ينصب في آليات التعامل. واعتبر عبد العاطي أن هذا سيظهر في التعامل مع الولايات المتحدة الأميركية بنحو كبير، مرجحاً أن مرسي سيخضع لبيروقراطية السياسة الخارجية المصرية، نظراً لعدم وجود خبرة لدى كوادر الجماعة في هذا المجال.
ولفت إلى أن حديث مرسي عن سوريا وفلسطين في خطاباته لم يتجاوز رغبة إسماع الحاضرين من كافة الأطياف ما يحبونه من قضايا السياسة الخارجية. واستدل على ذلك بتجاهل ذكر مرسي البُعد الأفريقي. ونبه إلى أن الحديث عن عدم تصدير الثورة والحفاظ على المعاهدات الدولية غرضه طمأنة الخليجيين والدول الغربية لضمان تدفق المساعدات المالية، مع إبداء نوع من الكبرياء الوطنية بطلب عدم تدخل الآخرين في الشأن المصري. ولفت عبد العاطي إلى أن مرسي تجنب ذكر إسرائيل في خطابه لتجنب النقاط الخلافية أو إثارة الجدل في خطابه.
وعن العلاقات المصرية ــ الأميركية بنحو خاص، ذهب عبد العاطي إلى أن التفاهمات الموجودة بين الإخوان والأميركيين، ستعكس شكل العلاقة المقبلة، التي سيسعى كل طرف للحفاظ على صورتها الاستراتيجية حتى وإن شهدت تجاذبات تكتيكية بعضها للاستهلاك المحلي من كلا الطرفين. ولفت إلى أن العلاقة مع أميركا وإسرائيل، يتدخل في إدارتها المجلس العسكري، الذي لن يسمح بتدهورها، إلى جانب خشية مرسي والعسكريين من ضياع المعونات الاقتصادية من المؤسسات الدولية من أجل حاجة الاقتصاد المصري إليها.
الباحثة في الشؤون الخليجية في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، إيمان رجب، رأت أن درجة الحساسية من الدول الخليجية من وجود رئيس إخواني، ستحدد جزءاً من نمط العلاقة مع هذه الدول. فقطر والبحرين أقل حساسية من الإمارات التي سحبت الجنسية منذ فترة ليست ببعيدة من 6 مصريين منتمين للإخوان. وكذلك الكويت أقل من السعودية. وفي السياق، أشارت رجب إلى اتجاه السلفية في مصر إلى الانخراط في السياسة، بما يهدد تركيبة الحكم في السعودية، القائمة عن ابتعاد السلفيين عن مؤسسة حكم آل سعود، وهو ما يسبب خشية من تحالف السلفيين مع الإخوان في أمور الحكم، على حد قولها.
وعلى الرغم من اقرار رجب بغياب الخبرة لدى الإخوان في أمور السياسة الخارجية، إلا أنها نبهت إلى أن مرسي سيسعى إلى استثمار العمالة المصرية الموجودة في الخليج، والتي صوت أغلبها لصالحه، في طمأنة الخليجيين بأنهم لن يكونوا أداة لتصدير الثورة، مع بناء دبلوماسية شعبية تضمن تدفق أموال التحويلات القادمة من هناك.
وعن العلاقة مع إيران، رأت رجب أن مصر ستتجه إلى تبني سياسة نشطة مع إيران، لكنها ستقف عند حدود رفع درجة التمثيل السياسي والدبلوماسي مع إيران، دون حدوث تطبيع كامل معها حتى لا تنظر إليه الدول الخليجية كنوع من التهديد لها.
أما على صعيد التعامل مع القضية السورية، فرأت الباحثة المصرية أن مرسي لن يجنح إلى تبني الخطاب السعودي ــ القطري في تسليح المعارضة، أو تبني الخطاب الروسي المهادن مع النظام، بل سيجنح للحل السياسي الدبلوماسي حتى وإن أخذ أشكالاً تصعيدية. واختتمت حديثها بالقول إن أبرز الاختلافات المتوقعة بين عصر حسني مبارك والعصر الحالي، أن في عصر مبارك كان الرئيس هو من يصنع السياسة وينفذها، وإن كلف فإن عمر سليمان كان الأقرب له وليس وزير الخارجية. أما في عهد مرسي، فإن قوى الشارع التي تثور ومجلس الدفاع الوطني المزمع تشكيله والمجلس العسكري، سيكون لها دور بشكل أو بآخر وإن كان غير واضح حتى الآن.
وفي السياق، رجح الباحث في مركز الدين والسياسة للدراسات، عمر غازي، ألا يتماهى مرسي مع جماعة الإخوان المسلمين، ذلك أن أي انحياز من مصر كدولة مع فصيل عربي أو دعمه عبر الآلة الإعلامية الرسمية، سيعرض مصر للدخول في حالة من العزلة السياسية، وهو ما سيعترض عليه المصريون بشدة.
وعن العلاقات المصرية ــ الفلسطينية و المصرية ــ الإسرائيلية، ذهب غازي إلى أن مرسي لن يتورط في الدخول في مواجهة مع إسرائيل، فضلاً عن أن المجلس العسكري لن يسمح بذلك، وسيستمع لصوت العقل، وإن كان سيتقارب مع غزة عبر أطر شرعية تمكنه من إنجاز المصالحة بين فتح وحماس في مدخل للضغط بأساليب سياسية مع إسرائيل، ورجح أن يلجأ مرسي لسياسات الضغط الشعبي مع إسرائيل، وتقليل دور المؤسسة الرئاسية للتعامل معها، وترك التعامل المباشر في يد الدبلوماسية المصرية والخارجية، ومحاولة استلهام الدور التركي في المواجهة مع إسرائيل.