أديس ابابا | لم يكن قرار تعليق جولة المفاوضات، التي تجري منذ أيام في العاصمة الإثيوبية أديس ابابا، بين وفدي السودان وجنوب السودان بالخطوة المستبعدة، فالقضايا محل النقاش، لطالما ظلت عصية على الحلول ومقترحات الوسطاء منذ التوقيع على اتفاق السلام الشامل في التاسع من كانون الثاني عام 2005. لكن الجديد هذه المرة أنها تكاد تكون المرة الأولى في عمر مسيرة التفاوض بين السودان وجنوب السودان، التي يغادر فيها وفدا التفاوض دون كيل الاتهامات لبعضهما البعض. فالطرفان، اللذان عقدا مؤتمرين صحافيين منفصلين في مقر التفاوض، تحدثا عن إيجابية الحوار بينهما هذه المرة. وقالا إنهما ولأول مرة يجلسان وحدهما دون وسيط، عبر أربعة اجتماعات منفصلة، طرحا فيها القضايا محل الخلاف. وتعتبر قضايا الحدود الأصعب في هذه الجولة من المفاوضات، والتي تم تخصيصها للملف الأمني. وأقر الجانبان بأنهما وقفا عند عقبتها. رئيس اللجنة السياسية الأمنية للوفد السوداني المفاوض، عبد الرحيم محمد حسين، أوضح أن وفده ناقش النقاط الخلافية في الحدود بشفافية تامة، وقدم ما لديه من دفوعات ووثائق فى هذا الجانب، مشيراً إلى أن «قضايا الحدود عادةً تأخد وقتاً ومجهوداً أكبر». وأضاف «نحن مقتنعون أن هذه القضايا، لا بد أن نتجاوزها حتى نطوي ملف الأمن، وسنستمر في النقاش حولها إلى أن نصل للحلول المرضية للجانبين».
الوفدان، اللذان قالا إنهما سيعودان للتفاوض في الخامس من الشهر المقبل، أعلنا أنهما سيجريان مزيداً من المشاروات مع قيادتيهما في كل من الخرطوم وجوبا، ليعودا للتفاوض، وقد حسما ما التبس عليهما حله.
وقال رئيس وفد دولة جنوب السودان المفاوض، باقان أموم (الصورة)، للصحافيين «اتفقنا على الرجوع إلى العواصم للمزيد من التشاور مع قياداتنا فى كل من جوبا والخرطوم، ونأمل أن تأتي نتائج هذه المشاورات مع القيادتين إيجابية لتخدم مسار الحل». وأفاد وفد جنوب السودان، بأنه طرح على الجانب السوداني والوساطة، ضرورة تبنّى استراتيجية جديدة في الحوار فى المرة المقبلة، تتضمن تحريك كافة قضايا الخلاف عبر مسارات متساوية خلافاً لما هو حاصل الآن، حيث ينحصر التفاوض في القضايا المتعلقة بالملف الأمني، بناءً على اشتراط قديم للخرطوم بضرورة حل الملف الأمني قبل أي ملف آخر. وهو ما قبلت به جوبا والتزم به الاتحاد الأفريقي الراعي لمفاوضات السلام بين البلدين. وأصدر الاتحاد بياناً أشاد فيه بمواقف الطرفين، خلال جولة المفاوضات، المقرر استئنافها في الخامس من تموز المقبل. وقدم رئيس جنوب أفريقيا السابق، ثابو مبيكي، التهنئة للطرفين بما سماه «جديتهما»، مشيراً إلى أن الطرفين أبديا نضجاً كبيراً وجدية في مقاربتهما للمفاوضات. وشدد الرئيس السابق لجنوب افريقيا، على أن «هذا أمر جيد لمواطني السودان وجنوب السودان».
في المقابل، لم يبد مراقبون تواجدوا في مقر المفاوضات تفاؤلاً فى إمكانية إحراز أي تقدم في المفاوضات، بسبب النيات المبيتة من الطرفين للتمترس خلف مواقفهما مسبقاً. وأوضح الكاتب في صحيفة «الأهرام اليوم» السودانية، بهرام عبد المنعم، أن «ما ينتظر الجولة المقبلة منذ الآن، هو مراهنة حكومة الجنوب على قتل الوقت للوصول إلى التحكيم الدولي. وهو ما ترفضه الخرطوم بشدة، ويصر وفدها على رفض الخريطة الجديدة للحدود المقترحة من الوساطة الافريقية والتي تتمسك بها جوبا». وأوضح أن الرفض مبرر بسبب «خوفه من استنساخ تجربة منطقة أبيي مرة أخرى».
ومن أهم ما خرجت به هذه الجولة التفاوضية حتى لحظة تعليقها هو اتفاق الطرفين على آلية مشتركة للتحقيق في ادعاءات الأطراف بحدوث اختراقات. كذلك اتفق الجانبان على آلية لمراقبة الحدود، تتكون من ثمانين خبيراً مناصفةً بين البلدين، وتتحرك على طول الحدود في شريط عرضه أربعين كيلومتراً داخل حدود كل بلد. وتكون الرئاسة في مدينة أصوصا الإثيوبية القريبة من حدود البلدين.
في هذه الأثناء، تستمر الاحتجاجات في السودان على الإجراءات التقشفية التي أعلنتها السلطات قبل أيام في محاولة للحد من الانهيار الاقتصادي الذي تواجهه البلاد. وبينما يتوقع أن تقدم أعداد المشاركين في تظاهرات جمعة «لحس الكوع» مؤشرات لمسار الاحتجاجات في الأيام المقبلة، وتحديد ما اذا كانت ستخبو أو تكتسب زخماً جديدا، تظاهر أمس أكثر من مئة محام سوداني بأثوابهم السوداء، في الخرطوم وأم درمان دفاعاً عن حرية التعبير.