باريس | نواكشوط | تعدّ السنغال حالة استثنائية في القارة السمراء. على مدى عقود، كانت البلد الوحيد الذي بقي محصناً من عدوى الانقلابات العسكرية، التي شكّلت لازمة سياسية في دول أفريقيا السوداء. وبعدما شهدت البلاد قبل شهرين، حملة انتخابية محتقنة شابتها الكثير من الصدامات، بسبب تمسك الرئيس السابق عبد الله واد بالترشح مجدّداً للرئاسة، يستعد السنغاليون، هذا الأسبوع، لانتخابات تشريعية حرّة تعيد الاعتبار إلى التقاليد العريقة لأكبر وأقدم نظام ديموقراطي في أفريقيا. من المرتقب أن تشهد الانتخابات التشريعية السنغالية، التي ستجري الأحد، مشاركة قوية. وقد برزت بوادر هذا الإقبال، أمس، مع بدء اقتراع أفراد الجيش والشرطة وأعوان الإدارة. وتتنافس في هذا المعترك البرلماني سبعة أحزاب، في مقدمها الائتلاف الموالي للرئيس الجديد ماكي سال، و«الحزب الديموقراطي»، الذي يتزعمه الرئيس السابق عبد الله واد، الذي امتنع عن ترشيح نفسه في هذه الانتخابات، إلى جانب خمسة أحزاب أخرى معارضة.
ويتبارى سبعة آلاف ومئتا مرشح على مئة وخمسين مقعداً برلمانياً، وفق نظام اقتراعي يزاوج بين التنافس بالغالبية المباشرة على دورة واحدة، بالنسبة إلى المقاعد البرلمانية التي يدور الصراع في شأنها على مستوى المقاطعات (90 مقعداً)، والاقتراع بالغالبية النسبية بالنسبة إلى المقاعد الـ 60 الباقية، التي يجري التنافس عليها بقوائم أحادية على الصعيد الوطني.
ويكفل نظام الانتخابات السنغالي حداً أدنى من الحضور البرلماني للأحزاب الصغيرة، التي يصعب عليها الفوز بالمقاعد الباقية التي تدار بالغالبية المباشرة بفضل الاقتراع بالغالبية النسبية على خمسي مقاعد البرلمان، الشيء الذي يضمن عدم انفراد أي تيار أو حزب سياسي وحده بالغالبية المطلقة في البرلمان. هذه الخصوصية، المستوحاة من التقاليد الانتخابية للدول الإسكندنافية، ليست الميزة الوحيدة لنظام الاقتراع السنغالي، بل هناك أيضاً قاعدة المساواة المطلقة بين الرجال والنساء في القوائم الانتخابية، حيث يُشترط من كل حزب توزيع لوائح الترشيحات مناصفة بين الجنسين. ويأمل الرئيس ماكي صال، الذي خرج منتصراً من معركة انتخابات الرئاسة، في 25 آذار الماضي، الفوز بغالبية برلمانية تخوّله المضي في سياسة الإصلاحات التي وعد بها خلال ترشحه للرئاسة، لتكريس قطيعة نهائية مع الفساد والانحرافات التسلطية، التي اتسمت بها الولاية الرئاسية الأخيرة للرئيس واد، والتي أوصلت البلاد إلى حافة الحرب الأهلية في الربيع الماضي.
وتُجمع أحزاب المعارضة والموالاة على أن المحك الأساسي في هذه الانتخابات البرلمانية يتمثل في محو الصورة السلبية التي تركتها انتخابات الرئاسة الأخيرة، بسبب أعمال العنف والمواجهات التي تخللتها، على خلفية الاعتراض على دستورية ترشيح الرئيس واد لولاية جديدة.
وقد جرت الحملة الانتخابية، على مدى الشهرين الماضيين، في أجواء هادئة على الصعيد الأمني، بالرغم من احتدام الصراع بين المعارضة والموالاة بشأن العديد من القضايا والإشكاليات الساخنة. واحتلت الأوضاع الاقتصادية صدارة النقاش. فرغم المساعدات الفرنسية التي تُخصّص للسنغال، بوصفها دولة محورية للمصالح الفرنسية في منطقة غرب أفريقي، إلا أن الاقتصاد السنغالي، الذي يعتمد أساساً على الزراعة وتربية المواشي، تضرّر كثيراً من موجة الجفاف التي تشهدها المنطقة منذ أشهر.
وحضرت القضايا الإقليمية الساخنة المرتبطة بما يحدث في دول الجوار في الساحل الأفريقي في الحملة الانتخابية، وفي مقدمتها عدم الاستقرار الذي تواجهه مالي، بعد الانقلاب على الرئيس أمادو توماني توري، ثم استقلال الشمال وإعلان جمهورية الأزواد. وتتطلع أحزاب المعارضة للخروج من هذا المعترك الانتخابي بتشكيلة برلمانية متوازنة تخوّلها أن تحدّ من صلاحيات الرئيس الجديد ماكي سال، الذي يتهمه خصومه بأنه أداة لتطبيق الأجندة الفرنسية في المنطقة.