لم يصدر عن ولي العهد السعودي سلمان بن عبد العزيز، تصريحات مهمة حول الموضوع الإيراني، فعلى ما يبدو أن سياسة المملكة تجاه الجمهورية الإسلامية هي التي تحدد مواقف قادتها وليس العكس. وفيما شيّعت الرياض وزير داخليتها ولي العهد الراحل نايف بن عبد العزيز، بدأت التحليلات تتحدث عن التحديات التي تواجه ولي العهد الجديد، وخصوصاً «التهديد» الايراني وتنظيم القاعدة.
وربما كان التصريح الوحيد المثير للجدل ذاك الذي نفته الرياض يومها في آذار الماضي، وجاء في جريدة «السياسة» الكويتية، وكان ذاك التصريح تعليقاً على تدخل السعودية في البحرين تحت غطاء قوات درع الجزيرة.
يومها نقلت الصحيفة، التي لا تتمتع بصدقية زائدة، عن وزير الدفاع السعودي، قوله «في ما يتعلق بإيران فهي دولة جارة وموجودة في الإقليم ونحن كدول لن نسمح لأحد بأن يتدخل في شؤوننا الداخلية، بل أقول إن كل شيء ينتهي عندما نشعر أن هناك من يريد العبث بجبهتنا الداخلية، أكان عبر الاستعانة ببعض من في الداخل أم من في الخارج».
وإن صح بعض ما جاء في هذا الحديث، فإن رؤية سلمان للعلاقة مع إيران مشوبة بالحذر. هذا ما يتجلى بقوله «نتابع كل ما يدور في المنطقة عن كثب، وحتى عندما نتحالف مع طرف ما فإننا نتحالف بعيون مفتوحة ويكون التحالف متكافئاً». وفي تحذير غير مباشر لإيران، نقلت عنه الصحيفة الكويتية قوله إن «درع الجزيرة هي جيشنا الخليجي الموحد والنواة القادرة على حماية دولنا وصد المخاطر المحيطة بها».
وزير الدفاع لم تصدر عنه بوفرة تصريحات تتعلق بسياسات دول المنطقة، وخصوصاً أنه في الفترة السابقة كان أميراً لمنطقة الرياض (العاصمة)، وكان اهتمامه محصوراً بقضايا تنموية وداخلية بحتة. لكن بعد وفاة ولي العهد السابق سلطان بن عبد العزيز، وتسلم سلمان منصب وزارة الدفاع من بعد شقيقه، توسع مجال اهتمام الرجل الذي طغى الملف الإيراني على محادثاته مع نظيره الكويتي جابر مبارك الحمد الصباح، في تشرين الثاني الماضي، حين استقبله في الرياض.
الواضح أن سياسة ولي العهد الجديد لن تحيد عن ثوابت المملكة تجاه إيران، وخصوصاً أن هذه الثوابت تتماهى إلى حد كبير مع إملاءات واشنطن في ما خصّ التخوّف من برنامج نووي إيراني عسكري ومن تمدد شيعي في البلدان العربية تحت شعار تصدير الثورة، والذي تحول هاجس الرياض حوله الى فعل ميداني تمثل في تدخل عسكري مباشر في البحرين بعد اندلاع انتفاضة تطالب بالإصلاح تغلب عليها المعارضة الشيعية.
الى جانب البرنامج النووي المثير للجدل، والذي يقع أحد مفاعلاته في الجنوب على ضفة الخليج في مقابل دول الخليج العربية، هناك هاجس تشتغل عليه الرياض دائماً إزاء توسع نفوذ إيران في لبنان وغزة، والذي تحول الى أزمة حقيقية بعد اندلاع الاحتجاجات في سوريا ووقوف طهران الى جانب نظام الرئيس السوري بشار الأسد في وجه المعارضة. الى جانب ذلك، هناك ملفات أخرى فُتحت العام الماضي على خلفية اتهام إيران بمحاولات اغتيال مفترضة ضد مسؤولين خليجيين، أبرزها تلك التي تحدث عنها مسؤولون أميركيون عن إحباط محاولة اغتيال السفير السعودي لدى واشنطن عادل الجبير، وإفشال محاولة لتفجير السفارتين السعودية والإسرائيلية في العاصمة الأميركية.
يومها نسبت الوكالات الى وثائق قضائية قولها إن المتهمين في العملية المزعومة إيرانيون، يحمل أحدهما الجنسية الاميركية. إلا أن وكالة «فرانس برس» نقلت عن علي أكبر جوان فكر، أحد مستشاري الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد، نفيه ضلوع بلاده في تلك العملية. وقال جوان فكر إن هذا «سيناريو مفبرك لإبعاد الأنظار عن المشاكل الداخلية في الولايات المتحدة».
أما الملف الأكثر إثارة للجدل فهو مضيق هرمز وتهديد مسؤولين إيرانيين في أواخر العام الماضي بإقفاله. هذا التهديد وضع دول الخليج، وفي مقدمها السعودية، أمام خطر جديد يطاول عمليات تصدير نحو 60 في المئة من النفط الخليجي الى العالم.
تحديات فرضتها الوقائع الجيوستراتيجية والتطورات السياسية التي تعصف بالمنطقة، فعززت لدى السعودية إرادة الاستمرار بالتسلح بما يرضي شركات تصنيع الأسلحة الاميركية والغربية الى درجة كبيرة. إذن، لن يكون موقف وليّ العهد السعودي مخالفاً لشقيقه الأكبر الذي يحكم البلاد اليوم، الملك عبد الله، بل سيكون هذا الموقف في سياق سياسة تنفذها السعودية منذ عقود من أجل حفظ مصالحها ومصالح العائلة الحاكمة، بما يرضي الغرب ويبقي الخوف قائماً من دول الجوار.
(الأخبار)