ذكّر صدور الحكم على زعيم الحرب السابق تشارلز تايلور، العالم بوجود «ألماس الدم»، هذه السلعة الفاخرة والغامضة جداً، والضرر المستمر الناجم عنها. وقد حُكِمَ على الرئيس الليبيري السابق في محكمة دولية في لاهاي بالسجن خمسين عاماً، بعدما ثبت أنّه مذنب بارتكاب جرائم بحق الإنسانية. وأدين بدعم الثوار في سيراليون مقابل «ألماس الحروب». واستند دفاع تايلور إلى فكرة أنّه كان مجرد مُسهِّل، وليس مُرتكِباً. أدى هذا التفريق القانوني، في نهاية المطاف، إلى تخفيف عقوبة تايلور من ثمانين عاماً، طالب بها قضاة النيابة العامة، إلى السجن لمدة نصف قرن. على نحو مشابه، لا تزال مفاهيم الشراكة والذنب تلاحق المساعي الدولية الهادفة إلى وضع حدّ لتجارة ألماس الدم عالمياً، الذي تبحثه منظمة «عملية كيمبرلي» الدولية المعنية بمراقبة تجارة الألماس، التي تجتمع مرتين سنوياً.
وكانت عملية كيمبرلي هدفاً للانتقاد من المجموعات الناشطة في هذا المجال منذ بدايتها عام 2003، بعد أشهر قليلة من انتهاء أعمال العنف التي غذّاها تايلور وارتكبتها «الجبهة المتحدة الثورية» في سيراليون. ويقول منتقدوها إنّ تعريفها لألماس الدم، أي الألماس غير المصقول الذي تستعمله الحركات الثورية أو حلفاؤها لتمويل أعمال العنف الهادفة إلى إضعاف الحكومات الشرعية، «قصير النظر وقديم».
وفيما تكتفي عملية كيمبرلي بتعقب تحركات الألماس غير المصقول وأصوله، تستطيع الدول المتخصصة في مجال الألماس المصقول أن تنتج ماسات قيمتها مليارات الدولارات كل سنة. وقد أصبحت إسرائيل أكبر مُصدِّر للألماس في العالم، مع إيرادات من هذا الحجر الكريم وصلت إلى 9.4 مليارات دولار، ويعزى ذلك جزئياً إلى هذه الثغرة الفاضحة في عملية كيمبرلي عام 2008.
وبما أنّ عملية صقل الألماس تزيل كل العلامات المميزة التي يمكن تعقّبها، من شبه المستحيل تعقّب الألماس المصقول الذي اشتُري من إسرائيل، إذ إنّ من غير الممكن تفريقه عن الألماسات التي تُرسَل من جنوب أفريقيا أو أوستراليا أو أميركا الشمالية، وتنتهي في مراكز تجارية كبرى كنيويورك أو هونغ كونغ، حيث يشتريها بالجملة بائعو الألماس حول العالم.
في الشهر الماضي، عقد أعضاء «مجلس الألماس العالمي» اجتماعهم السنوي في إيطاليا، واتفقوا على توسيع التعريف الحالي الذي تضعه عملية كيمبرلي لألماس الدم ليشمل «أعمال العنف المرتبطة بالألماس في مناطق إنتاج الألماس غير المصقول والتجارة به». لكنّها لم توص بإدراج الألماس المصقول في التعريف.
من ناحيتها، اعترضت منظمة «غلوبال ويتنس» على موافقة أفراد عملية كيمبرلي على تصدير الألماس الذي استُخرِج من حقول «مارانغ» في زيمبابوي، التي كانت لوقت طويل مشبوهة في انتهاكات حقوق الإنسان. واتّهم الناشط في المنظمة، مايك دايفيس، أعضاء عملية كيمبرلي بغضّ الطرف عن انتهاكات مشابهة للحقوق في كافة الدول المنتجة للألماس. وقد صرّح لـ«الأخبار» بأنّ «عملية كيمبرلي هي نادٍ للحكومات التي لا تريد أن تحاسب إحداها الأخرى. ولا يكفي أن نشير إلى الورقة ونقول هذا تعريفنا وإذا ارتدى القتلة والمغتصبون المعنيّون زياً عسكرياً عوضاً عن إعلان ولائهم لبعض المجموعات المتمردة فهذه ليست مشكلتنا».
من الواضح أنّ وصف الألماس المصقول بأنّه ألماس حروب محتمل مسألة مثيرة للجدل، وهذا ينطبق أيضاً على تصدير إسرائيل كميات ضخمة من هذا الحجر الكريم. ورفضت منظمات غير حكومية عدة، درست ألماس الدم، التعليق على موضوع الألماس في إسرائيل، التي سرعان ما ستصبح منقّبة رئيسية عن هذا الحجر عوضاً عن مجرد مُصدّرة.
وصرّح الخبير الاقتصادي الإسرائيلي شير هيفير، كدليل لمحكمة «راسل» حول فلسطين عام 2010، بأنّ قوات الدفاع الإسرائيلية، من بين منظمات أخرى، هي التي استفادت إلى أقصى حد من تجارة إسرائيل المربحة بالألماس. وكشف هيفير للمحكمة عن أنّه: «عموماً، يقدّم قطاع الألماس الإسرائيلي مليار دولار سنوياً تقريباً للصناعات العسكرية والأمنية الإسرائيلية». وتابع: «كلما اشترى شخص ما ألماسة صُدِّرت من إسرائيل، ينتهي جزء من هذا المال لدى الجيش الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ الرابط المالي بين الاثنين جليّ».
هذا من دون احتساب إيرادات الألماس في القطاع الخاص، التي تعود إلى الجيش الإسرائيلي. وتملك شركة «ستايميتز»، إحدى الشركات الرائدة في إنتاج الألماس في العالم، مؤسسة خيرية «تبنّت» وحدة في الجيش الإسرائيلي. وتموّل شركة الألماس العملاقة لواء «غيفاتي»، المسؤول عن إحدى أفظع الأعمال الوحشية التي ارتُكِبَت بحق الشعب الفلسطيني خلال عملية «الرصاص المصهور» في قطاع غزّة.
وفيما تُنظَّم حملات لتصنيف الألماس الإسرائيلي كأحجار كريمة مكتسبة في الحروب، تُواجه اللامبالاة الظاهرية، أو بالأحرى التواطؤ، الذي تبديه منظمات على غرار مجلس الألماس العالمي، معارضة شديدة.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس مجلس الألماس العالمي، إيلي إسحاقوف، خلال اجتماع في شهر أيار الماضي، أنّه «لا ينبغي أبداً ربط الألماس بالعنف الجماعي ضد مجتمعات معينة، وتحديداً القمع النظامي ضد الفلسطينيين الذي اتهمت القوات الإسرائيلية بارتكابه». لكن عندما أرسل أعضاء حركة مقاطعة إسرائيل (حركة التضامن الدولي مع فلسطين)، رسالة مشتركة إلى «مجلس المجوهرات المسؤول» في نيسان من العام الماضي، أعلم المدير التنفيذي للمجلس الناشطين بأنّ المجلس «لا يقبل اقتراحهم أنّ قطاع الألماس الإسرائيلي يموّل انتهاكات حقوق الإنسان وأنّه بالتالي، ينبغي اعتبار الألماس الذي تبيعه الشركات الإسرائيلية ألماس دم».
وينتهي ما بين 40 إلى 45 في المئة من مجمل ألماس إسرائيل المصقول في الولايات المتحدة كل سنة، ويمثّل تقريباً نصف مجموع الألماس المصقول الذي يباع في السوق الأميركية. ومن بين أسواق الألماس المصقول الأخرى البارزة المفتوحة أمام إسرائيل: الهند، سويسرا، هونغ كونغ والمملكة المتحدة، ولا سيما أنّ هذه المجوهرات المصقولة، لا يمكن تعقبها بنحو فعّال، وهي تختلط في مراكز التجارة مع ألماس من دول مصدّرة بارزة أخرى للألماس المصقول مثال بلجيكا والإمارات العربية المتحدة.
وبالنظر إلى صعوبة تعقّب أصول الألماس بعد صقله، ما من آلية مضمونة لمنع الألماس الإسرائيلي، الذي تُستعمَل إيراداته لتمويل الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي، من دخول أي دولة، بما في ذلك لبنان. وأوضح دايفيس: «ما إن يُصقَل الألماس، هذه نهاية عملية تعقب أثره».
الخيارات المتاحة أمام لبنان
على الرغم من أنّ نقابة تجار الذهب والجواهر في لبنان أصرّت على أنّ لبنان قد امتثل لشروط عملية كيمبرلي بعد أن أُعيد إليها، لا يغطي بروتوكول عملية كيمبرلي الألماس المصقول الإسرائيلي. وقد رفض رئيس النقابة، عاطف نصولي، محاولات «الأخبار» المتعددة للحصول على تعليق منه. وبالنظر إلى طبيعة سيطرة إسرائيل على سوق الألماس المصقول الدولية، وبالنظر إلى الكميات الكبيرة من الألماس المصقول المختلف الأنواع التي يستوردها لبنان سنوياً، من المرجح جداً، على الرغم من صعوبة إثبات ذلك، أنّ المستهلكين اللبنانيين يموّلون عن غير قصد الجيش الإسرائيلي من خلال مشتريات الألماس من متاجر في بيروت. وصرّح أحد الخبراء في تجارة الألماس لـ«الأخبار»، بأنه «لا شك في أنّ الألماس الإسرائيلي يتدفق إلى لبنان» من دون علم تجار الجواهر.
كذلك، قالت مجموعات أخرى اتصلت بها «الأخبار» إنها لم تكن على علم باحتمال دخول الألماس الإسرائيلي إلى لبنان. وقال ناطق باسم مكتب مقاطعة إسرائيل في وزارة الاقتصاد والتجارة إنّهم لم يفكّروا سابقاً في هذا الاحتمال. وعلى الرغم من عدم القدرة على تعقّب الألماس الإسرائيلي، تستطيع الحكومة اللبنانية السعي إلى لفت الانتباه إلى تجارة إسرائيل بألماس الدم، التي باتت حقيقة واقعة. وقامت بذلك، في السابق، حركات عدة في المجتمع المدني إلى جانب مجموعات مقاطعة إسرائيل (رغم أنّ ذلك لم يحصل في لبنان).
ولو كان بالإمكان تصنيف الألماس المصقول الإسرائيلي على الصعيد الدولي كألماس دم ستصعّب إلى حدّ كبير عملية انتقاله عبر العالم. بطبيعة الحال، لن يحصل ذلك بسهولة، بالنظر إلى عضوية منظمات إسرائيلية عدّة في مجلس الألماس العالمي وعملية كيمبرلي. لا يعني ذلك البقاء مكتوفي الأيدي، فقد أوضح أسعد غصوب، وهو عضو في مجموعة المقاطعة، أنّ الحملات التي تُنظّم ضد الألماس الإسرائيلي عموماً هي أحد الخيارات المتاحة أمام لبنان. وصرّح غصوب لـ«الأخبار»: «في حال تنظيم حملة ينبغي أن تستهدف ألماس الدم والألماس الذي لا يمكن تعقّبه عموماً، فحقيقة أنّ من الممكن أنّ إسرائيل تستفيد إلى حدّ كبير من هذا الألماس ينبغي أن تكون إحدى الحجج المقدّمة لدعم هذه الحملة». وقالت المجموعة إنّها ستحقق في مسألة احتمال دخول الألماس الاسرائيلي إلى لبنان، مع السعي إلى دفع الحكومة إلى التحرك. وأضاف غصوب: «لا أرى سبيلاً أخرى للحرص على عدم استفادة إسرائيل من تجارة الألماس الذي لا يمكن تعقبه».




تعقب الألماس الإسرائيلي

مُنحَت الشركة الوحيدة المصدّرة للألماس في إسرائيل، «شيفا ياميم Shefa Yamim»، حديثاً تراخيص لإجراء اختبارات جيولوجية على مساحة 670 كيلومتراً مربعاً تقريباً بالقرب من مدينة حيفا الساحلية في الشمال. وإذا استُفيد بنحو ملائم من اكتشاف رواسب الكمبرلايت التي يُستخرج منها الألماس، تستطيع إسرائيل خلال العقود المقبلة أن تصبح منتجاً بارزاً للألماس المصقول وغير المصقول في آن واحد، ما سيجعل بعض منتجاتها خاضعاً لشروط منظمة «عملية كيمبرلي». هذا إضافة إلى مصالح إسرائيل الكثيرة في مجال استخراج المعادن في دول، بينها ليبيريا، المعروفة بأنّها أرض خصبة لألماس الدم. باختصار، يعتمد الاقتصاد الإسرائيلي بشدّة على الإيرادات التي ينتجها الألماس، سواء في شكله المصقول أو ذاك المُستخرَج من أفريقيا، فهذه الأحجار الكريمة هي الركيزة للمالية الإسرائيلية.