باريس | شهدت الانتخابات التشريعية الفرنسية، في جولتها الاولى التي جرت أمس، نسبة قياسية من الممتنعين عن التصويت، حيث لم تتجاوز نسبة المشاركة ٥٧،١ في المئة. وكان لهذا الإقبال الضعيف على المشاركة تأثير جذري في حسم موازين الصراع البرلماني منذ الجولة الاولى من الاقتراع، إذ إن نسبة الممتنعين التي بلغت ٤٢،٩ في المئة حرمت «أحزاب الأطراف»، أي «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) و«جبهة اليسار» (اليسار الراديكالي)، من لعب دور الحكم في الصراع بين الاشتراكيين و«اليمين البرلماني» في جولة الإعادة التي ستجري الأحد المقبل.
الانتخابات التشريعية الفرنسية تجري وفق قاعدة الغالبية المباشرة على دورتين انتخابيتين، ما يسمح للمرشح الذي يحل في المنزلة الثالثة بأن يمر الى الجولة الاولى، شرط أن ينال في الدورة الاولى أكثر من ١٢،٥ في المئة من العدد الاجمالي للمسجلين على القوائم الانتخابية. لكن الارتفاع القياسي لنسبة الممتنعين رفع عتبة هذه النسبة، التي يجب الحصول عليها للظفر بتأشيرة المرور الى الدورة الثانية، الى ٢٣ في المئة من الناخبين المشاركين فعلياً في الاقتراع. وقد ترجم ذلك بتراجع كبير لعدد الدوائر الانتخابية التي ستشهد «مواجهات ثلاثية» في الجولة الثانية، أي حضور مرشح ثالث (يميني أو يساري) إلى جانب مرشحي اليسار واليمين التقليديين، الأمر الذي سيعفي اليمين البرلماني من إغراءات الاستناد إلى أصوات اليمين المتطرف في الدورة الثانية، كما سيغني الحزب الاشتراكي عن التحالف مع «جبهة اليسار» بزعامة جان لوك ميلانشون، وبالتالي الاضطرار الى التوافق على «برنامج مشترك» من شأنه أن يدفع الحكومة نحو خيارات أكثر يسارية مقارنة بالبرنامج البراغماتي الذي طرحه فرانسوا هولاند خلال انتخابات الرئاسة الاخيرة.
أصوات الناخبين توزعت في الجولة الاولى من هذه الانتخابات بين ٤٧،١ في المئة لقوى اليسار، مقابل ٣٥،٤ لليمين التقليدي، بينما تراجع اليمين المتطرف من ١٧ في المئة في انتخابات الرئاسة الاخيرة الى ١٣،٤ في المئة، حيث كان واضحاً أن «الجبهة الوطنية» بزعامة مارين لوبان هي الأكثر تضرراً من ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت، فيما تراجعت «جبهة اليسار» بدورها الى ٦،٩ في المئة، بينما حقق «حزب الخضر»، الذي دخل المعترك البرلماني بتحالف مسبق مع الحزب الاشتراكي، قفزة مهمة، حيث نال ٥،٣ في المئة من الأصوات، أي أكثر من ضعف ما حققه في انتخابات الرئاسة.
على ضوء هذه النتائج، تشير التقديرات إلى أن الحزب الاشتراكي سينال في الجولة الثانية ما بين ٢٧٠ و٣٠٠ مقعد برلماني، علماً بأنه يحتاج الى ٢٧٩ مقعداً لنيل الغالبية المطلقة التي تخوّله تشكيل الحكومة المقبلة من دون الحاجة الى التحالف مع قوى يسارية أخرى. وحتى إذا لم يفز الاشتراكيون بالأغلبية وحدهم، فإنهم سيكونون في غنى عن التحالف مع «جبهة اليسار»، المرتقب أن تنال ما بين ١٤ و ٢٠ مقعداً. فالحزب الاشتراكي سيحظى بمخزون إضافي من المقاعد التي سيفوز بها «حزب الخضر» و«الراديكاليون اليساريون»، اللذان دخلا الانتخابات البرلمانية بتحالف مسبق مع الاشتراكيين، وخصّصت لهم حقائب وزارية في حكومة جان مارك ايرولت الأولى. وتشير التوقعات إلى أن «الخضر» سينالون ما بين ٨ و١٤ مقعداً، بينما يرجّح أن يفوز «الراديكاليون» من جهتهم بـ١٠ إلى ١٤ مقعداً.
ومن مفارقات نظام الاقتراع بالغالبية المباشرة على دورتين، أن «التجمع من أجل أغلبية شعبية» اليميني، بالرغم من أنه نال ٣٥،٤ في المئة في الأصوات في الدورة الأولى، وهي نسبة تفوق ما حققه الحزب الاشتراكي (34.9 في المئة)، تشير التقديرات إلى أن الحزب الساركوزي سابقاً لن ينال في الدورة الثانية سوى ٢١٠ الى ٢٤٠ مقعداً برلمانياً.
أما الأحزاب الصغيرة، فمن المرتقب ألا تتجاوز عتبة الثلاثة مقاعد في أحسن الأحوال، وذلك سواء بالنسبة إلى الجبهة اليمينية المتطرفة أو تيار الوسط أو اليسار التروتسكي. ولن يشذ عن هذه القاعدة سوى «جبهة اليسار» التي ستخوض في الجولة الثانية معتركاً حاسماً لتجاوز عتبة الـ١٥ مقعداً، التي تخولها تشكيل كتلة مستقلة في البرلمان الجديد، ما سيكسبها وزناً أقوى في التأثير على سياسات الحكومة الاشتراكية المقبلة.