باريس | بعد ٥ أسابيع من فوز اليسار في انتخابات الرئاسة الفرنسية، يتّجه الناخبون مجدداً الى صناديق الاقتراع، غداً الأحد، لتحديد غالبية برلمانية جديدة. ومنذ تأسيس الجمهورية الفرنسية الخامسة، عام ١٩٥٨، كانت الانتخابات التشريعية تجري في منتصف الولاية الرئاسية، لتكون بمثابة امتحان شعبي للأغلبية الرئاسية.
لكن قيام الرئيس السابق جاك شيراك بحلّ البرلمان، سنة 1997، واختصار مدة الولاية الرئاسية من ٧ الى ٥ سنوات، جعلا الانتخابات التشريعية تتزامن مع انتخابات الرئاسة، ما أفقدها الكثير من أهميتها، وخصوصاً أن النظام الفرنسي هو مزيج من النظام الرئاسي والبرلماني، حيث يُنتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع المباشر، وهو الذي يتولى تعيين رئيس الحكومة، ويحق له عزله أو حلّ البرلمان في حال حدوث تعارض بين الصلاحيات الرئاسية والتنفيذية والتشريعية. لكن الرئيس ملزم بتعيين رئيس حكومة من التيار الذي يفوز بالاغلبية البرلمانية، حتى لو كان من أحزاب المعارضة.
الروزنامة الانتخابية الجديدة، التي جعلت الاقتراع البرلماني يأتي بعد شهر واحد من «الرئاسيات»، منذ العام ٢٠٠٢، أدت الى تراجع الاهتمام بالانتخابات التشريعية والإقبال على المشاركة فيها، إذ من غير المعقول أن ينتخب الفرنسيون رئيساً جديداً ثم يفرضوا عليه، بعد خمسة أسابيع، التعايش مع حكومة معارضة. من هذا المنطلق، تشير التوقعات إلى أن نسبة المشاركة في الاقتراع البرلماني، غداً، ستكون أدنى من نسبة الانتخابات الرئاسية. ويرتقب أن تصل نسبة الممتنعين الى قرابة ٤٠ في المائة.
وتفادياً لأي احتقان من شأنه أن يقلب موازين القوى البرلمانية، لم تُقدم حكومة جان مارك أيرولت على أي قرارات أو تحولات كبرى من شأنها أن تستغل من قبل المعارضة اليمينية لتأليب الناخبين ضد اليسار الحاكم. لكن المعترك البرلماني لن يكون محسوماً سلفاً لحساب الاشتراكيين، وخصوصاً أن انتخابات الرئاسية شهدت بروز عامل حاسم أسهم في إيصال فرانسوا هولاند الى كرسي الإليزيه، ويتمثل في الرفض الشعبي الكبير لاستمرار ساركوزي في الحكم. ولذا، من المرتقب أن يكون التنافس محتدماً بين «الحزب الاشتراكي»، الذي تتوقع الاستطلاعات أن يستقطب زهاء ٣٤% من الأصوات، و«التجمع من أجل أغلبية شعبية» اليميني، الذي يرتقب أن ينال ٣١%. الا أنّ الاشتراكيين سيكون بمقدورهم الاستناد الى حلفائهم اليساريين لتشكيل اغلبية، إذ تتوقع الاستطلاعات أن تنال «جبهة اليسار» ٨،٥ في المئة، وأن يحرز «حزب الخضر» ٥،٥ في المئة. ما يمنح اليسار مخزوناً إجمالياً يقارب ٤٨%. بينما يصعب على اليمين التقليدي ايجاد حلفاء في الدورة الثانية من الاقتراع، بسبب «القاعدة الجمهورية» التي تحول دون التحالف مع اليمين المتطرف، الذي يتوقّع أن ينال قرابة ١٨% من الأصوات.
اذا صدقت هذه التوقعات، ولم يشهد الاقتراع البرلماني مفاجآت كبيرة، يرتقب أن تحصل قوى اليسار ما بين ٣١٠ الى ٣٤٧ مقعداً برلمانياً من مجموع ٥٧٧ مقعداً. أما الائتلاف اليميني فسيتراجع الى حدود ٢٠٠ الى ٢٥٠ مقعداً، وبالرغم من الرتابة التي تخيّم على هذه الانتخابات التشريعية، الا أنّ الاهتمام سيرتكز على معطيين هامين. الاول يتعلق بالنتيجة التي سيحققها الحزب الاشتراكي، وهل ستصل الى عتبة الـ٢٧٠ مقعداً التي تسمح له بالحكم وحدها، دون الحاجة الى التحالف مع باقي قوى اليسار. أما المسألة الثانية، التي ستستقطب الاهتمام، فتتمثل في «الشوط الثالث» من المنافسة الانتخابية بين زعيم «جبهة اليسار»، جان لوك ميلانشون، ورئيسة «الجبهة الوطنية»، مارين لوبان. وكان ميلانشون قد احدث المفاجأة، بإعلان ترشحه في مقاطعة الشمال الفرنسي، ضمن نفس الدائرة الانتخابية التي ترشحت فيها مارين لوبان، متحدياً بذلك زعيمة اليمين المتطرف في معقلها الرئيسي.