«في خضمّ هذه المرحلة الانتقالية التاريخية في الشرق الاوسط وشمال أفريقيا تقف الولايات المتحدة أمام خيار واضح: إما أن ننسحب وننتظر ونشاهد ما سيحدث أو أن ننخرط بفاعلية في ما يجري ونحاول صياغة النتائج بطريقة تتوافق مع مصالحنا»، هكذا حاول مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الادنى جيفري فيلتمان إقناع لجنة العلاقات الخارجية للشرق الاوسط وجنوب آسيا بالموافقة على تمويل وزارته. قضية تمويل صندوق وزراة الخارجية الاميركية الجديد الخاص بالشرق الاوسط وشمال أفريقيا Middle East and North Africa Incentive Fund بدأ يثير جدلاً كبيراً في الاوساط السياسية والاعلامية الأميركية نظراً لضخامته ومعارضة بعض النوّاب له بسبب «ضبابيته».وزراة الخارجية الاميركية أدرجت «صندوق المحفزّات» ذاك ضمن مشروع ميزانيتها لعام 2013 ورصدت له 770 مليون دولار (من أصل 51،6 ملياراً) من أجل «دعم الديموقراطيات الناشئة في دول الربيع العربي وتحفيز مجتمعاتها المدنية» كما حدّدت. لكن نوّاباً في المجلس التشريعي انتقدوا اقتراح الوزارة بسبب «عدم وضوح تفاصيل المشروع بشكل كاف لتبرير تمويله»، والبعض ذهب الى حدّ رفضه كلياً. ورغم محاولة مسؤولي الخارجية «التسويق» لمشروع الصندوق منذ أشهر بالقول إن «العالم يتغير والربيع العربي قد حلّ فعلاً» وإنه «على الادارة الاميركية أن تكون بكامل جهوزيتها لمواكبة التغيرات الحاصلة وأن تمتلك كافة الوسائل لتمويل المبادرات في البلدان المتغيرة»، الا أن المعارضين في البرلمان طالبوا ــ ولا يزالون ــ الخارجية الأميركية بشرح أوضح عن كيفية صرف تلك الاموال والى أين ستذهب تحديداً وكيف ستخدم المصالح الاميركية. وبعض المشرّعين حذّروا من «خطورة أن تموّل الادارة الاميركية أنظمة إسلامية أنتجتها الثورات العربية». لكن الخارجية الاميركية لا تملك أجوبة واضحة عن تساؤلات المشرّعين، ولا تزال تصريحاتها تغرق في العموميات، حتى أن نائب وزيرة الخارجية توم نايدس أعلن أنه «لا يمكن التنبّؤ بكيفية صرف تلك الاموال منذ اليوم».
بعض المصادر في الخارجية الاميركية شرحت لمجلة «فورين بوليسي» أن مبلغ الـ 770 مليون الذي تطالب فيه الادارة يتألف من 70 مليون دولار تمويلية لمؤسسات موجودة أصلاً مثل «مبادرة الشراكة الأوسطية» MEPI و «مكتب الشراكات الأوسطية» التابع لـ USAID، بينما يعتبر مبلغ الـ 700 مليون دولار من «الأموال الجديدة» غير محددة الأهداف والمؤسسات. وهنا يشير أحد مسؤولي الخارجية للمجلة إلى أن هذا الموضوع سيثير جدلاً بسبب «الفراغ في محتواه» وهو يعتبر «كصندوق طوارئ» والكونغرس «لا يحبّذ تمويل صناديق الطوارئ في الخارجية».
وبناءً على احتجاجات عدد من المشرّعين، رفضت اللجنة الفرعية للمخصصات التابعة للمجلس التشريعي إدراج صندوق الخارجية في مشروع القانون المتعلق بالعمليات الخارجية الذي أقرّته الشهر الماضي وبالتالي عدم المطالبة بأي تمويل له. لكن الخبر «السارّ» جاء منذ أيام من مجلس الشيوخ، الذي عوّلت عليه الخارجية الأميركية أخيراً لإنقاذ مشروع صندوقها.
إذ وافقت لجنة المخصصات التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي الخميس الماضي (بـ 29 صوتاً مقابل صوت واحد معارض) على تخصيص مليار دولار لـ «صندوق محفّزات الشرق الاوسط وشمال أفريقيا» من أصل 52،1 مليار دولار مجموع الميزانية الكاملة. وفي ميزانيتها المخصصة لنفقات وزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج التابعة لها لعام 2013، ذكر رئيس اللجنة أنه «تمّ إدراج الصندوق الجديد الخاص بلشرق الاوسط وشمال أفريقيا والذي طلبه الرئيس، للاستجابة مع أي تغييرات تطرأ على المنطقة المتقلّبة».
وقد لوحظ في الميزانيتين المقدمتين من المجلس التشريعي ومجلس الشيوخ تخفيض الاموال المخصصة للعراق وباكستان وأفغانستان، وخصوصاً في ما يتعلق بالمساعدات العسكرية وتدريب الشرطة. وبين مؤيّد لصندوق «الربيع العربي» (مجلس الشيوخ) ومعارض له (المجلس التشريعي)، تقف الخارجية الاميركية بانتظار البت النهائي في زيادة تمويلها الذي سيقرّه الكونغرس في وقت لاحق من هذا العام. وفي هذا الوقت يكثر الحديث لدى الشيوخ والمشرّعون حول «خطر انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة لصالح تقدّم إيران فيها» ومن ناحية اخرى «خطر تمويل أنظمة إسلامية تجاهر بموافقها المعادية لإسرائيل وللمصالح الاميركية في المنطقة».