أنقرة | عادت حادثة مقتل 34 مواطناً كردياً تركياً نهاية العام الماضي إلى الواجهة مجدداً، بعدما كشفت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية معطيات جديدة عن الحادث، الذي وقع في 28 كانون الأول من العام الماضي، حين قصف الجيش التركي مواطنين قرب الحدود التركية العراقية بطائرات «ف 16» على اعتبار أنهم أعضاء في حزب العمال الكردستاني، بينما هم في الواقع فتيان مهربون كانوا يحاولون كسب المال من خلال تهريب الشاي والسجائر.
ووفقاً للبيانات الرسمية في ذلك الوقت، لوحظ وجود هؤلاء المهربين بواسطة طائرات بدون طيار، واعتبروا عن طريق الخطأ بأنهم إرهابيون وقتلوا في القصف. ومنذ ذلك الحين، تم تشكيل لجنة تحقيق برلمانية لمعرفة أسباب الحادث، كما قامت النيابة العامة التركية بدفع تعويضات لعائلات الضحايا بعدما أجرت تحقيقاً بالحادث، لكنها لم تعط أجوبة إلى الآن عن الأسئلة الكثيرة المتعلقة بتفاصيله.
بدورها، طالبت المعارضة في ذلك الوقت بالإجابة عن العديد من الأسئلة، مثل: هل الطائرات التي لاحظتهم كانت تركية أو أميركية؟ وهل كان هؤلاء يعرفون أن المنطقة المستهدفة هي منطقة مهربين؟ وهل لاحظت الطائرات أنهم لم يكونوا مسلحين؟ ولماذا ظهر فشل المخابرات التركية على أرض الواقع؟
وحتى الآن، ليس هناك إجابة عن هذه الأسئلة، لكن أخيراً صدر مقال قي جريدة «وول ستريت جورنال» أعاد طرح الموضوع وأشار إلى أن الطائرات كانت أميركية، وهو ما رفضه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، واصفاً بأنها محاولة لوضع الرئيس الأميركي باراك أوباما في موقف صعب قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وكتبت «وول ستريت» «لقد رصدت طائرات الولايات المتحدة بلا طيار الرجال والدواب، وأن المسؤولين والضباط الأميركيين نبهوا تركيا إلى الأمر»، وأشارت إلى أن مصدر الخبر هو مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية، لم يكشف عن اسمه.
وذكر المقال أن المسؤولين الأميركيين اقترحوا على تركيا أن تقوم الطائرات الأميركية دون طيار بالكشف الدقيق عن المجموعة، إلا أن المسؤولين الأتراك رفضوا الاقتراح وقاموا بقصف المجموعة.
من جهتها، رفضت هيئة الأركان التركية الخميس الماضي التقرير عبر موقعها على الإنترنت، مؤكدة أن «التقرير لا يعكس الحقيقة، وأن الطائرات التركية هي التي رصدت المجموعة لأول مرة».
وقالت الهيئة، على موقعها، إن وجود نوعين من الطائرات العاملة في تركيا، بعضها تحت السيطرة الكاملة للجيش التركي والتي تم شراؤها من إسرائيل ومعروفة باسم «حيرون»، في حين أن النوع الآخر تابع للولايات المتحدة ويعرف باسم «الحيوانات المفترسة».
زعيم حزب المعارضة الأساسي «الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدر أوغلو، قال إن مقتل 34 مواطناً أثبت صحة من كان يقول إنه لا ينبغي ترك مخابراتها لقوة أجنبية. وجاء تقرير «وول ستريت جورنال» ليثبت أنهم كانوا على حق في مخاوفهم. واتهم كليتشدر أوغلو الحكومة لأنها لم تقل الحقيقة للشعب، داعياً رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان إلى التحدث بشأن هذه القضية. من جهته، رد اردوغان على الفور على تصريحات كليتشدر أوغلو ، قائلاً إن «البلاد بحاجة الى ثقة شعبها بالمؤسسات بدلاً من الحديث بقصة ملفقة من قبل الولايات المتحدة». ووفقاً لأردوغان، فإن القصة الملفقة وضعت إدارة أوباما في موقف صعب، دون أن يوضح ماذا يعني بذلك.
ولكن وبحسب الخبراء، ومن بينهم ممثل واشنطن في مؤسسة «سيتا الفكرية التركية» إيرول سبسي، فإن تقرير «وول ستريت جورنال» هدف إلى منع تركيا من شراء طائرات من الولايات المتحدة التي سعت إليها منذ فترة طويلة.
واستند سبسي في تعليقه إلى أن تقرير «وول ستريت جورنال» جاء بعد الزيارة التي قام بها رئيس الأركان التركي نجدت أوزيل للولايات المتحدة، وكان أحد أهم المواضيع على جدول أعماله شراء طائرات بدون طيار. وكشف سبسي أن إدارة أوباما وافقت عن طيب خاطر على بيع الطائرات إلى تركيا، لكنها تواجه مقاومة في الكونغرس الأميركي.
وكتب سبسي، أمس، في صحيفة «صباح» التركية، من الواضح جداً أن الممثلين في الكونغرس الأميركي تعرضوا لضغوط قوية من مجموعات لها تأثيرها لخلق مشاكل على الطائرات إلى تركيا.
بدوره، أشار الصحافي التركي مراد يتكين، الخبير في العلاقات التركية الأميركية والإسرائيلية، إلى وجود شكوك حول تقرير «وول ستريت جورنال». وقال يتكين إن «تركيا طبقت اتفاقها بشأن شراء الطائرات، وإن التقرير ظهر في وقت كان فيه رئيس هيئة الأركان العامة يزور الولايات المتحدة للتباحث في الصفقة».
وبرأي يتكين، تسبب تقرير «وول ستريت جورنال» بالكثير من التساؤلات حول صناعة الدفاع في تركيا، ويبقى السؤال «من الذي أقدم على إعطاء الأمر بقصف المدنيين في الحادثة»، وهو السؤال الذي طرحه أحد الخبراء جنكيز كاندار راديكال في صحيفة «راديكال» اليومية.