إسطنبول | اختصرت المعارضة التركية، أول من أمس، كل ما يمكن أن يُقال تقريباً ضدّ السياسة الخارجية لحكومة رجب طيب أردوغان إزاء الملف السوري. «الفشل» كان عنوان كلمات نواب المعارضة في جلسة البرلمان في أنقرة، مع خشية من أن حكومة «العدالة والتنمية» توحي أنها تبحث عن ذريعة للتدخل عسكرياً في سوريا، بحسب النائب البارز في أكبر أحزاب المعارضة، «الشعب الجمهوري»، عثمان كوروتورك، الذي حذّر من أن «الدول العربية متشددة جداً حيال المسّ بأراضيها، وهي متشككة في ما يتعلق بتدخل عسكري تركي محتمل عندما يكون هناك شعور بعودة عثمانية جديدة، وهو ما سيخلق مشاكل إضافية لأنقرة».
ووصل الأمر بالنائب العلماني الكمالي إلى الجزم بأنّ السياسة الخارجية لحكومة بلاده غير مقبولة من قبل الدول العربية التي «تفقد الثقة تدريجاً بتركيا» على حدّ تعبيره. وتابع قائلاً إنّ «هذه السياسات تضع تركيا في موقع يجعل من صداقاتها غير ثابتة»، مشيراً إلى أنّ بإمكان القيادة التركية اليوم أن تسمّي أي زعيم عربي كـ«أخ وصديق»، لافتاً إلى أنّ «من غير الواضح كيف سيخاطبون نفس الزعماء غداً»، في إشارة إلى الودّ الكبير الذي كان أردوغان وبقية أركان حكمه يتعاطون فيه مع الرئيس السوري بشار الأسد والمصري حسني مبارك والزعيم الليبي معمر القذافي، قبل أن يتحول هؤلاء بعيون حكام أنقرة إلى «أعداء لشعوبهم». وعن الموضوع نفسه، شدّد كوروتورك على خطورة تحوُّل تركيا إلى «دولة لا تبحث عن شرعية دولية، وتواصل الصراخ لإعلان الحرب، وبنتيجة ذلك، بتنا دولة معزولة في المنطقة وخسائرنا الاقتصادية مستمرة». وختم مطالعته بالإشارة إلى أن الدبلوماسية التركية تجاه سوريا «فضيحة حقيقية».
أما النائب محمد شندير، فقد ألقى كلمة حزبه «الحركة القومية التركية» اليميني المتطرف، بصفته رئيساً لكتلته النيابية. واتهم شندير حكومة أردوغان بالعمل تحت إمرة القوى الغربية الكبرى في ما يتعلق بالملف السوري. وخاطب النائب القومي اليميني الحكومة بالقول: «قبل عام، كنا أصدقاء جداً مع النظام السوري. إما أنكم كنتم مخطئين في الماضي، أو أنكم مخطئون اليوم»، متسائلاً عمّا يمكن أن تفعله أنقرة غداً إذا ما بدأت قوة إقليمية ما في المنطقة بتهديدها مثلما يجري تهديد سوريا حالياً؟ وواصل شندير جلد حكومة بلاده؛ إذ إن سياستها «ضعيفة»، بدليل ما حصل غداة جريمة «أسطول الحرية» في أيار 2010، حين قتلت قوات الاحتلال الإسرائيلية 9 مواطنين أتراك من دون أن تتمكن أنقرة من القيام برد فعل كافٍ بالنسبة إلى النائب المذكور. وعن هذا الموضوع، خاطب شندير وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، الذي حضر الجلسة، قائلاً له: «سيد داوود أوغلو، كررتَ مراراً أن إسرائيل ستدفع التعويض وستعتذر، وهو ما لم يحصل. أنتَ ضعيف».
ولم يفوّت نواب حزب «السلام والديموقراطية» الكردي فرصة مهاجمة دبلوماسية أنقرة، وخصوصاً إزاء سوريا، من مدخل الأزمة الكردية التركية طبعاً. وأشار النائب سيري صاكك إلى أنّ «وزارة خارجيتنا تدّعي أنها تدافع عن فكرة السلام، لكن اليوم هناك حرب في الجبال (المناطق التركية الكردية الحدودية)»، متسائلاً عن «كيف يمكن مَن يعجز عن بناء السلام في بلده، أن يبني سلاماً في العالم؟». وكان لسياسة «صفر مشاكل مع الجيران» حصّة في كلمة صاكك، الذي سخر من حكومة بلاده التي «تحارب جميع جيرانها، من سوريا إلى إيران والعراق». وذكّر صاكك بأنه «منذ وقت طويل، هناك ديكتاتورية في سوريا، ورغم ذلك ظلّت تركيا على علاقة جيدة معها قبل أن تقرر القوى الإمبريالية إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، فأعطوا لتركيا دوراً للقيام بهذه المهمة».
وانتظر داوود أوغلو الهجمات المعارِضة ليدافع عن سياسات حكومته، مشدداً على أن أنقرة متمسكة بـ«قيادة موجة التغيير» في الشرق الأوسط، معرباً عن ثقته بأن «المواطنين الأتراك الـ 74 مليوناً يناصرون الشعب السوري وسيكونون دائماً معه بغض النظر عن الاختلافات الطائفية والإثنية والدينية». ووصل الأمر بداوود أوغلو حدّ اعتبار أن «النظام السوري لا يمثّل تهديداً للشعب السوري فحسب، بل أيضاً للأمن الاقليمي، ولكوننا نرفض أي سياسات مبنية على معايير طائفية أو إثنية في المنطقة، فإنّ التغيير في سوريا سيفيد جميع أطياف الشعب السوري، وليس فئة دينية أو إثنية محددة».