نواكشوط | من مرتفع «اشكيك» إلى بطحاء «النعمة» وغيرها من المناطق الواقعة في شرق موريتانيا التي تزخر بأكبر خزان للمواشي، تتبدى معالم أزمة الجفاف التي تضرب البلاد هذا العام، حيث بدأت تظهر ملامحها على الأرض والأشجار والمواشي. قطعان الأبقار لا تبارح في الغالب حظائرها؛ فيما تحاول الأغنام تسلق الأشجار؛ وأحيانا أعالي الجبال علها تحصل على كلأ بات شبه معدوم. وحدها الإبل تبقى استثناءً من القاعدة في بلد تساهم الثروة الحيوانية في نحو خمسة عشر بالمئة من الناتج المحلي الخام؛ وتعتبر أول قطاع اقتصادي من حيث امتصاص البطالة. وفي انشيري، مسقط رأس رئيس البلاد محمد ولد عبد العزيز، والواقعة على بعد مئتي كيلومتر إلى الشمال من العاصمة نواكشوط، يبدي السكان مخاوفهم من تأثير الجفاف على مواشيهم. ويقول محمد ولد الطالب، وهو راعي غنم، لم يفقد أي رأس من قطيعه إلى الآن، إنه لم يعش منذ نعومة أظفاره جفافاً كالذي يحصل حالياً. ويشير إلى مواضع ظلت في الماضي مرتكزاً للمرعى متحسراً عليها بعد أن أصبحت قاعاً صفصفاً لا ماء فيها ولا مرعى. ولا يخفي الشيخ الطاعن في السن خوفه على قطيعه في الأسابيع المقبلة؛ لأن الجفاف القاحل لم تشهد له موريتانيا مثيلاً منذ أربعينيات القرن الماضي.
وفي نواكشوط، يلاحظ الزائر لسوق المواشي تغييرات غير مسبوقة في تراجع أسعار المواشي. فالخروف الذي كان يتجاوز سعره مئة وعشرين دولاراً لم يعد سعره يصل إلى مئة دولار. والناقة التي كان سعرها يناهز ألفاً وخمسمئة دولار لم يعد سعرها يصل إلى ألف دولار. أما البقر فلا يزوره زائر نتيجة ندرة استهلاكه وضعف إقبال سكان العاصمة على لحومه وسط ارتفاع غير مسبوق في أسعار علف المواشي، وخصوصاً القمح الذي وصل طنه في موريتانيا إلى ما يعادل خمسمئة دولار أميركي.
هي إذاً حالة غير مسبوقة تعيش في ظلها موريتانيا، ما جعل السكان الذين يواجهون جفافاً بسبب نقص حاد في الأمطار، يخشون نفوق المواشي وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية في بلد زراعي رعوي، يعتمد على مياه الأمطار في تموين مواشيه التي تناهز عشرين مليون رأس من الجمال والأبقار والأغنام. خطر دفع منظمات الإغاثة الدولية إلى التحذير من العواقب الانسانية التي بدأت تلوح في الأفق. وأشار تقرير أعده برنامج الغذاء العالمي إلى أن سبعمئة ألف شخص في موريتانيا يعانون حالياً نقصاً في الغذاء، وأن مؤشرات انعدام الأمن الغذائي وصلت إلى ثلاثة أضعاف معدلاتها في الفترة نفسها من العام الماضي. كذلك، نبّه التقرير إلى أن مناطق الشرق والجنوب الغربي هي الأكثر تضرراً. وقالت المنظمة الأممية إن الأمر «لا يقتصر على موريتانيا فقط، بل يشمل أيضاً دولاً مجاورة عدة، في أفريقيا الغربية، مثل بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ما لا يترك بديلاً للسكان، حيث لا يمكنهم الانتقال، كما جرت العادة، من بلد إلى آخر، لإنقاذ عائلاتهم ومواشيهم من انعاكاسات الجفاف».
وفي ضوء نتائج التقرير، طالب برنامج الغداء العالمي بـ«تدخل عاجل» لمساعدة السكان المتضررين والأكثر فقراً في موريتانيا لتفادي «أزمة إنسانية حادة»، مرجعاً الأزمة إلى العجز المسجل في مستوى الأمطار الذي أدى إلى هبوط إنتاج موريتانيا من الغذاء بنسبة اثنين وخمسين في المئة. ورغم إطلاق رئيس الوزراء الموريتاني، مولاي ولد محمد لقظف، مشروعاً طارئاً بلغت موازنته مئة وخمسين مليون دولار، لمواجهة الوضعية الناجمة عن نقص الأمطار هذا العام وتوفير المواد الغذائية الأساسية من أرز وزيت وسكر، بأسعار مخفضة بنسب تراوح بين 40 و 60 في المئة عن الأسعار المعمول بها في السوق، إلا أن هذا البرنامج لم يشف غليل الموريتانيين.
ومع تعالي أصوات الموريتانيين لتثاقل التدخل الحكومي وبطء الإجراءات ويقينهم بأن مواشيهم في طريقها إلى الهلاك بسبب الجفاف، شهدت عشرات من المدن والقرى الموريتانية تظاهرات شعبية لمطالبة الحكومة ببذل جهود أكبر. وشهدت مدينة «مقطع لحجار»، شرق نواكشوط تظاهر الآلاف، احتجاجاً على «الصمت الحكومي حيال أزمة العطش في البلاد». وأيّد عمدة المدينة، الطاهر ولد فروة، مطالب المتظاهرين، واصفاً إياهاً بالمشروعة؛ لأن «السكان ومواشيهم مهدّدون فعلاً بالموت عطشاً، إذا لم تتحرك الحكومة بسرعة لتوفير المياه لهم». وفي مدينة «جكني»، في أقصى الشرق الموريتاني، خرج السكان في تظاهرات غاضبة بعد أن وصل سعر برميل المياه إلى قرابة أربعة دولارات.
من جهتها، لم تفوت أحزاب المعارضة الفرصة، وسارعت إلى تعميق النقمة الشعبية. ونظمت جولة في المحافظات الزراعية الرعوية أكد خلالها زعيم المعارضة أحمد ولد داداه، الذي خلعته السلطات من منصبه أول من أمس، أن موريتانيا تعيش اليوم «أسوأ فترة مرت بها عبر تاريخها»، منتقداً بشدة جهود الدولة في مواجهة الجفاف، ومقللاً من أهمية البرنامج الحكومي.
ورأى زعيم المعارضة أن نظام ولد عبد العزيز فاشل بكل المقاييس، وأن الفئة التي تمثّل ثلثي ساكنة هذا البلد الشباب، لا ترى فيه أملاً لحاضرها ولا ضماناً لمستقبلها. بدوره، حمل الحزب اليساري المعارض «اتحاد قوى التقدم»، بشدة على السلطات، متهماً إياها بأنها لا تساعد المحافظات الزراعية الرعوية التي تعاني جراء الجفاف أزمة غير مسبوقة. وأكد الحزب أن السلطات غير قادرة على مواجهة الجفاف وبوادر الأزمة الغذائية بفعل «عجزها» عن توقع الأزمات والتعامل معها، مشيراً إلى أنها صمت آذانها عن نداءات الاستغاثة الصادرة عن فاعليات سياسية واجتماعية متعددة وهيئات دولية متخصصة تطالب بمواجهة العجز الخطير في الأمطار الذي يضرب المنطقة، وخصوصاً موريتانيا.