باريس | وجّه زعيم تيار الوسط، فرانسوا بايرو، أمس، رسالة مفتوحة إلى المرشحين المؤهلين للدورة الثانية من انتخابات الرئاسة الفرنسية، فرانسوا هولاند ونيكولا ساركوزي، طرح فيها عدداً من «المبادئ والقيم والخيارات السياسية التي يتمسك بها الـ3 ملايين ناخب الذين اقترعوا لي في الدورة الأولى». وركّز بايرو على أهمية «الأخلاق في الحياة السياسية» و«عقلنة الأداء الحكومي» و«ترشيد الإنفاق العام». ونادى باستلهام تجربة «المجلس الوطني للمقاومة»، الذي أشرف على إصلاح الأوضاع الاقتصادية في فرنسا، بعد الحرب العالمية الثانية، «من منظور اجتماعي زاوج بين حتمية الإصلاح ومراعاة قيم التضامن والعدالة الاجتماعية». وقال بايرو إنه سيتريث إلى غاية المناظرة التلفزيونية التي ستُجرى بين هولاند وساركوزي، الأربعاء المقبل، ليرى من منهما سيتجاوب مع رسالته ويأخذ مقترحاته في الاعتبار، ليتخذ في ضوء ذلك قراره بخصوص من سيدعم في معترك الجولة الثانية. لكن رسالة بايرو تضمنت العديد من الإشارات التي ترجِّح أنه يميل إلى تأييد هولاند. إذ قال في معرض حديثه عن القيم التي يتمسك بها أنصاره: «إن الأزمة ليست وراءنا، وبلادنا ستواجه أياماً صعبة. لذا، فإن السلوك الشخصي للحُكّام سيكون هاماً للغاية. والمسألة لا تقتصر على المبادئ السياسية فحسب، بل على القيم الشخصية أيضاً. فمنذ سنوات، تعاني بلادنا من عنف متزايد على صعيد الأفعال والكلمات، بفعل سياسات تسعى لشحن الناس معسكراً ضد آخر، وتتواطأ مع التيارات المتطرفة». ليخلص إلى القول إن «رفض استمرار العنف الذي يطبع حياتنا السياسية، والعمل على احترام مختلف الحساسيات وتنسيق جهودها، من أجل تكريس التعددية والبحث عن التوازن والاعتدال، هي شروط ضرورية لتحقيق «روح الوحدة الوطنية» التي سيتوجب علينا أن نواجه بها الأزمة».
هذه الانتقادات المبطنة للسياسات الساركوزية، جعلت هولاند يسارع إلى الإشادة برسالة بايرو، قائلاً إنه يتفق مع أبرز النقاط التي وردت فيها، وبالأخص في ما يتعلق بـ«الإرث الاجتماعي والسياسي للمجلس الوطني للمقاومة». وأضاف هولاند «أعتقد أن فرانسوا بايرو فهم تماماً أن ساركوزي اختار منذ إعلان نتائج الدورة الأولى سياسة الهروب الى الأمام، مفضلاً الاستمرار في مغازلة أصوات اليمين المتطرف».
من الواضح أن غالبية كوادر تيار الوسط تتفق مع هولاند، حيث قرّر 40 نائباً ومنتخباً محلياً في حزب بايرو، على رأسهم الرجل الثاني في الحزب جان ـ لوك بينامياس، عدم التريث إلى غاية الإعلان الرسمي عن موقف بايرو، بعد المناظرة التلفزيونية بين ساركوزي وهولاند، وأصدروا أول من أمس عريضة تطالب ناخبي الوسط بتأييد هولاند.
بهذا يكون هولاند قد ضمن تقريباً غالبية أصوات الوسط (قرابة 3 ملايين ناخب)، التي ستنضم إلى أصوات معسكر اليسار، بعدما طالبت أحزاب «جبهة اليسار» (3,9 ملايين صوت) و«الخُضر» (800 ألف صوت) و«الحزب المعادي للرأسمالية» (400 ألف صوت) بالاقتراع لهولاند من أجل قطع الطريق أمام «الخطر الساركوزي». ودعت إلى اغتنام التظاهرات النقابية التي تُقام تقليدياً في مناسبة عيد العمل، في الأول من أيار، لرصّ صفوف اليسار لإطاحة ساركوزي في الجولة الثانية.
تجميع أصوات اليسار والوسط يؤهل هولاند لاستقطاب قرابة 8 ملايين صوت ستضاف إلى أصوات الـ10,2 مليون ناخب الذين اقترعوا له منذ الدورة الأولى. أما نيكولا ساركوزي، الذي نال 9,7 مليون صوت في الدورة الأولى، فقط ارتكزت جهوده، طوال الأسبوع الأول من حملة الدورة الثانية، في محاولة استمالة أصوات اليمين المتطرف المقدرة بنحو 6,4 ملايين ناخب ممن اقترعوا لمارين لوبان في الدورة الأولى.
لكن التركيز على مغازلة ناخبي اليمين المتطرف لا يحظى بالإجماع في الفريق الموالي لساركوزي، حيث برزت خلافات حادة بين عدد من مستشاريه المقربين (راجع الكادر أدناه). والمخاوف من تفجر انشقاقات جديدة في صفوف الموالين له جعلته يرفض مطالب تيار «اليمين الشعبي»، الذي يعد جناح الأكثر يمينية في الائتلاف الرئاسي الحالي، والقاضية بعقد تحالف سياسي مع مارين لوبان. وقال ساركوزي في هذا الصدد «لن يكون هناك أي تحالف مع اليمين المتطرف، ولن نقبل بوزراء من «الجبهة الوطنية» (حزب لوبان) في الحكومة القادمة». لكنه استدرك قائلاً إن الذين اقترعوا للوبان هم «فرنسيون مثل الآخرين، ولا ينبغي شيطنتهم، بل الأخذ في الاعتبار كون اقتراعهم يعكس معاناة اجتماعية ونقمة سياسية لها الكثير من المبرّرات».
خلال تجمعاته الانتخابية في حملة الدورة الثانية، أرسل ساركوزي إشارات متعددة إلى ناخبي اليمين المتطرف، تنوعت بين الوعود والوعيد الهادف لتخويفهم من «خطر فوز هولاند». في خانة الوعود، تعهد ساركوزي بـ«حماية البلاد بإجراءات رقابية مشدّدة على الحدود، لضبط حركة انتقال السلع والأشخاص، من أجل وقف تدفق المهاجرين وحماية المنتجات الفرنسية من تهديدات العولمة». أما الوعيد، فقد تُرجم بالتركيز المفاجئ على موضوع تعهد اليسار بتعديل الدستور من أجل السماح للأجانب المقيمين في فرنسا منذ أكثر من 10 سنوات بالمشاركة في الانتخابات المحلية.
وفي السياق نفسه، أطلق ساركوزي، في تجمع انتخابي عقده في مقاطعة «غارد»(جنوب شرق فرنسا)، التي حلت فيها مارين لوبان في المنزلة الأولى خلال الدورة الأولى، تحذيراً نارياً لناخبي اليمين المتطرف، قائلاً «هل تريدون منح حق الاقتراع للأجانب، ليكون هناك عمدة عربي على رأس مدينة مثل «نيم» (عاصمة المقاطعة)؟ إذًا عليكم بالتوصيت لفرانسوا هولاند»! أما وزير الداخلية، كلود غيان، المعروف بميوله الإسلاموفوبية، فقد استبق تصريحات ساركوزي بقوله إن «منح حق الاقتراع للأجانب سيسمح للإسلاميين بفرض اللحم الحلال في المطاعم المدرسية في أغلب أحياء الضواحي»!



حرب المستشارين!


زادت حدة الخلافات حول مراهنة ساركوزي على أصوات اليمين المتطرف، بعدما بيّن آخر استطلاع، أول من أمس، أن 50 في المئة فقط ممن اقترعوا لمارين لوبان (الصورة) يعتزمون تأييد ساركوزي في الدورة الثانية، فيما يفضل 32 في المئة منهم الامتناع عن التصويت. أما الباقون، أي قرابة خمس ناخبي لوبان، فسيقترعون لهولاند، في سابقة غير معهودة في الاستحقاقات الرئاسية الفرنسية، حيث جرت العادة أن يتوزع ناخبو اليمين المتطرف في الجولة الثانية إلى ثلثين يقترعان لمرشح اليمين التقليدي، وثلث يمتنع عن التصويت.
ودارت «حرب المستشارين» بالأخص بين هنري غينو، الذي ينادي بالمراهنة على تيارات الوسط (3 ملايين صوت) والممتنعين عن التصويت (قرابة 10 ملايين ممن قاطعوا الدورة الأولى أو اختاروا «الاقتراع الأبيض») ، وبين باتريك بويسون، الذي يدفع باتجاه التقرب من ناخبي اليمين المتطرف. ويرى بويسون أن الجولة الثانية «لا ينبغي مقاربتها من منطق حسابي محض»، معتبراً أن استراتيجية التخويف من اليسار، لن تسمح لساركوزي بأن يجتذب الذين اقترعوا للوبان فحسب، بل ستمكنه من «مواصلة الديناميكية التي بدأتها لوبان، لاستمالة المزيد من ناخبي الأوساط الشعبية».