احتمال تحوُّل إيران إلى قوة نووية، الذي يبدو أن السياسيين الأميركيين والغربيين بدأوا التعامل معه بعدما كانوا يعتبرونه شرّاً مطلقاً، يعالجه باحثون وأكاديميون أميركيون بدم بارد، لتكذيب الأسطورة التي تفيد بأنّ القنبلة الإيرانية هي مصدر الخطر الأكبر على البشرية. «لو استمعوا إلى العلم، لما أحدثوا كل هذه الجلبة». بهذه العبارة، يجيب الأستاذ في جامعة «ستانفورد» جيمس فيرون على سؤال لـ«الأخبار» حول احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران، عقاباً على طموحاتها النووية. يحاجج فيرون بالمنطق والعلم والأرقام جميع صقور الولايات المتحدة وإسرائيل على السواء، لينفي أنّ حيازة السلاح النووي تجعل من دولة ما «عدوانية أكثر»، وهو ما يرمي إليه رئيس «مجلس العلاقات الخارجية» ريتشارد هاس، والمحلل السابق في وزارة الدفاع الأميركية ماثيو كرونيغ.
وفي تقرير نشره على مدوَّنته، يتساءل الأستاذ في «ستانفورد» عن «الطريقة التي تتصرف بها الدول بعد حصولها على الأسلحة النووية»، وعمّا إذا كان «معدّل تورُّط هذه الدول في نزاعات خطيرة يزيد أو يتراجع بعد حصولها على القنبلة». وفي كل مرة تنشد فيها دولة ما الحصول على السلاح النووي، تعلو أصوات «الكبار» في العالم، تحذيراً وتوعّداً، وخصوصاً إذا كانت هذه الدولة «مارقة» أو ببساطة، بحسب تعبير المفكر الأميركي اليساري نعوم تشومسكي، «لا تذعن لسلطان الدولة الأعظم في العالم».
على سبيل المثال، فكّر الأميركيون والسوفيات بتوجيه ضربات وقائية ضد الصين لمنعها من الحصول على القنبلة، باعتبار أنّ نظامها خطير وعدواني وراديكالي. لكن القنبلة الصينية لم تُستتبَع سوى باستقرار وسم سياستها الخارجية. يجدر السؤال هنا: ماذا لو كانت الولايات المتحدة قد ضربت الصين بالفعل؟ هل كان ذلك سيجعل للقنبلة أنياباً؟ انطلاقاً من هذا المأزق الافتراضي، وضع فيرون رسماً بيانياً لمعدّل النزاعات العسكرية التي خاضتها الدول التسع بين 1845 و2001 (الصين وفرنسا والهند وإسرائيل وباكستان وروسيا وجنوب أفريقيا وبريطانيا والولايات المتحدة)، قبل تسلّحها نووياً وبعده. ويتبيّن لفيرون أنّ معدّل تورُّط الصين وفرنسا والهند وإسرائيل وباكستان وبريطانيا في نزاعات عسكرية قد تراجع في السنوات التي تلت حصولها على النووي، في حين أن معدّل تورّط روسيا وجنوب أفريقيا ازداد في الفترة التي تلت حصولهما على النووي، علماً بأن المعلومات التي حصل عليها البروفسور حول نزاعات روسيا لا تغطي سوى الفترة الممتدة بين 1945 و1948.
ثم يحاول فيرون اللعب على المتغيرات، فيدرس احتمال وجود علاقة بين النزاعات والناتج المحلي الإجمالي (باعتبار أن المال عامل مهم في شن الحروب)، أو بمدى «مدنية» الدول أو عسكرتها. وهنا يجد أن معدّل خوض الدول نزاعات عسكرية يتراجع بمعدّل النصف عندما تملك هذه الدول القنبلة النووية.
لا يجزم فيرون، وفق حديثه لـ«الأخبار»، أن ذلك يعني أن إيران ستحذو حذو هذه الدول التسع، بمعنى أن انضمامها إلى النادي النووي سيجعلها أقلّ عدوانيةً، لكنه يستغرب النزعة التي يذهب إليها صقور «الحرب الوقائية» في تحذيرهم من «خطورة» إيران و«عدوانيتها» في حال حصولها على النووي.

ردع أم مضيعة للوقت؟

ليس فيرون وحيداً في التقليل من شأن المخاوف المتعلّقة بحيازة النووي، فقد سبقه إلى ذلك الباحثان كينيث والتز وسكوت ساغان في كتابهما «انتشار الأسلحة النووية» (1995). ويخلص والتز في دراسته إلى أن «أفضل الطرق التي قد تلجأ إليها دولة ما لضمان بقائها يكمن في منع الدول الأخرى من مهاجمتها». وأفضل السبل إلى ذلك يكمن في إخافة هذه الدول من مغبة «التصعيد». ويصل الباحث إلى النتيجة ذاتها التي تنبّه لها جون ميرشايمر، صاحب كتاب حول اللوبي الصهيوني، في دراستين نشرهما في عامي 1981 و1990. بدوره، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة «أوهايو» جون مويللر، في كتابه «الهوس بالقنبلة» (2009) أنه «ليس مهماً ما إذا حصلت إيران على القنبلة أو لا»، فـ«رغم الهستيريا التي أثيرت حول كوارث التسلّح، فإن العواقب الجوهرية للتسلح أثبتت ضآلتها منذ 1945». وأشار إلى أن «الدول القليلة التي لحقت بالركب النووي فشلت في إيجاد استخدام عسكري فاعل لهذه الحلى الثمينة»، لتدرك في النهاية بأن الأسلحة النووية ليست سوى «مضيعة للوقت والمال والموهبة العلمية»، مكانها في «الأقبية». وفي السياق، يلفت المؤرخ العسكري الإسرائيلي مارتن فان كريفلد، صاحب كتاب «ثقافة الحرب»، إلى أنه في التسعينيات «أثير جدل حول مخاطر فظيعة إذا ما حازت الهند وباكستان السلاح النووي. وبعد سنوات قليلة لم يحصل شيء. والأمر يصحّ في ما يتعلّق بكوريا الشمالية». كلام يخلص كريفلد إلى أن تل أبيب وواشنطن «تضخّمان» التهديد النووي الإيراني. ولحسم المسألة بشأن مدى السلاح النووي المحتمل، استطلع الباحث في «مجلس العلاقات الخارجية» ميكا زينكو آراء خبراء آخرين. وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة «ايموري» كايل بيردسلي، إنّ «إيران لا تملك حافزاً لاستخدام أسلحتها النووية على نحو عدائي» لأنّ القيام بذلك «سيعود عليها بالقليل وسيكلّفها الكثير». أما الأستاذة في جامعة «كورنيل»، سارة كريبس، فرأت أنّ إيران تريد القنبلة «ليصبح لديها القدرة على إلحاق الضرر» من دون أن تقوم بذلك، بمعنى أن القنبلة «وسيلة للمساومة». وفي المنحى نفسه، استبعدت الباحثة في معهد «بيلفير» التابع لجامعة «هارفرد» آني ترايسي صاموئيل أن تتغير السياسة الخارجية الإيرانية بعد الحصول على القنبلة، إذ «ستبقى هذه السياسة براغماتية، وغالباً ما تنحصر في إطار الأقوال لا الأفعال».

ما الذي سيردع إيران إذاً؟

بعيداً عن سجال فاعلية القنبلة من عدمها، فإنّ «فزّاعة الحرب الوقائية»، تبدو زائفة؛ وعن هذا الموضوع، يشير فيرون لـ«الأخبار» إلى أن الإيرانيين «قد يفكّرون مرتين قبل حيازة القنبلة، إذا ما علموا أن السعوديين أو غيرهم قد يحذون حذوهم في ذلك». ولكن، «حتى إذا تسلّح السعوديون، فإنّ مخاطر التوازن النووي قد تجعل من السياسة الخارجية الإيرانية أكثر استقراراً»، وشدّد على أنّ «هجوماً على إيران لن يضمن سوى المزيد من الإصرار الإيراني على حيازة القنبلة». وهل ستتعرض إيران لهجوم إسرائيلي؟ فيرون لا يعرف، ولكن لو أُجبر على الردّ، لأجاب سلباً لأنه من الواضح أن «سلبيات مثل هذا الهجوم تفوق إيجابياته». لكن الإسرائيليين لن يسألوا «الحكيم» ولن يسألوا «المجرّب»، بل سيركّزون على المعلومات الاستخبارية وعلى الوقائع، على حد تعبير فيرون.