باريس | قبل ثلاثة أيام من موعد الدورة الأولى للانتخابات الرئاسية الفرنسية، يواجه المرشحون منافساً غير متوقع يهدّد بأن يختطف منهم ثلث أصوات الناخبين، ما قد يؤدي إلى خلط موازين القوى على الأقل في الدورة الأولى من الاقتراع. فقد كشفت آخر استطلاعات الرأي أنّ نسبة الممتنعين عن التصويت تتّجه نحو ارتفاع قياسي، لتتجاوز عتبة الـ 30 في المئة، ليكون ذلك، إن حصل، سابقة تاريخية في البلاد.
ورغم أن الامتناع عن التصويت لا يؤثّر مباشرة في نتائج الاقتراع، حيث لا تُحتسب سوى أصوات المشاركين، إلا أن ارتفاع نسب المقاطعة له تأثيرات غير مباشرة من ناحية موازين القوى؛ إذ إن الممتنعين عن التصويت غالباً ما يكونون من المستقلّين وأنصار التيارات المعتدلة، بينما أنصار الأحزاب والتنظيمات المتشددة (سواء اليسارية منها أو اليمينية)، يتّسمون بقدر أكبر من التجنيد والانضباط والالتزام. على سبيل المثال، في انتخابات الرئاسة عام 2007، أسهم ارتفاع نسبة الممتنعين عن التصويت، التي بلغت 28,2 في المئة في حينها، بإقصاء مرشح اليسار ليونيل جوسبان، ومرور اليميني المتطرف جان ماري لوبان إلى الدورة الثانية بـ 16,8 في المئة من الأصوات. أما في انتخابات 2002، التي لم تتجاوز خلالها نسبة الامتناع الـ 16 في المئة، فلم يحقّق لوبان سوى 10,4 في المئة.
ويرجِّح المحلِّلون أن يكون مفعول الامتناع هذه المرة، معاكساً لما حدث في 2002، أي إنه لن يصب في مصلحة مرشح اليمين، بل اليسار الراديكالي. وتأكدت هذ التوقعات، أمس، من خلال استطلاع للرأي كشف أن 58 في المئة من الفرنسيين برّروا قلة اهتمامهم بانتخابات الرئاسة لهذا العام بأن «الحملة مملّة، ولا تتطرق للانشغالات الحقيقية للفرنسيين». أما الذين يعتزمون الامتناع عن التصويت، فقد قال 56 في المئة منهم إنهم سيقاطعون الاقتراع لأن «اللعبة الديموقراطية في فرنسا لم يعد لها تأثير فعلي في القرار السياسي، لأن الأوساط المالية هي المهيمنة». واللافت هو أن الحديث عن «انقطاع رجال السياسة عن الانشغالات الفعلية للناس»، و«التحذير من هيمنة الأوساط المالية على القرار السياسي»، هي من أبرز الشعارات التي يرفعها مرشح «جبهة اليسار»، جان _ لوك ميلانشون، منذ بداية حملته الانتخابية.
وما يزيد من تعقيد المشهد أكثر، تفاقُم ظاهرة «الترحال الانتخابي»، بما أن استطلاعات الرأي الأخيرة كشفت أن 32 في المئة من الناخبين لم يحسموا خياراتهم نهائياً بعد، ولا يستبعدون أن يعدِّلوا «نياتهم الانتخابية» في اللحظات الأخيرة. كلام يعني أنّ أصوات 62 في المئة من المسجَّلين على القوائم الانتخابية، لا يزالون «في عداد المجهول»، بين متردِّد ومُقاطِع.
جميعها معطيات تدفع الخبراء إلى عدم استبعاد حدوث «زلزال» من شأنه أن يقلب الطاولة منذ الدورة الانتخابية الأولى، رغم أنّ أبرز مرشّحَين، أي نيكولا ساركوزي وفرانسوا هولاند، يبدوان في الظاهر متقدِّمَين عن الباقين بنحو 10 نقاط. ولا تزال الكفة متعادلة بين ساركوزي وهولاند (نحو 28 في المئة لكل منهما)، فيما حقّق ميلانشون قفزة جديدة ليصل أمس إلى 17 في المئة. بدورها، سجّلت مارين لوبان تقدماً طفيفاً، بعد 3 أسابيع من التراجع، لتقترب مجدداً من عتبة الـ 14 في المئة.
إلى ذلك، برزت أخيراً سلسلة من الانشقاقات التي دفعت بالعديد من الموالين لساركوزي للانتقال إلى معسكر المؤيدين لهولاند. وفي مقدمة هؤلاء، الرئيس السابق جاك شيراك، الذي أكّد أول من أمس رسمياً أنه سيصوِّت للمرشح الاشتراكي. وسبق لشيراك أن تحدث عن ذلك قبل أشهر، لكن زوجته برناديت سارعت إلى نفي الخبر، قائلة إن «زوجي كان يمزح». وشاركت السيدة الأولى السابقة في تجمع «فليبانت»، قبل أسبوعين، حيث أعلنت تأييدها لساركوزي، لأن «هولاند لا يمتلك كاريزما كافية تؤهله لتولي الرئاسة». وفي السياق، أعلنت وزيرة مقاطعات ما وراء البحار في عهد شيراك، النائبة اليمينية بريجيت جيراردان، تأييدها لفرانسوا هولاند أيضاً. وقد عُدَّ ذلك إشارة إلى تحوُّل هام في اتجاهات ناخبي جزر الأنتيل والـ«ريينيون»، الموالين في العادة لتيار اليمين الديغولي. كذلك أعلن وزيرا الانفتاح في الحكومة الأولى لساركوزي، مارتن هيرش وفضيلة عمارة، عودتهما إلى صفوف اليسار، ودعوا أمس إلى التصويت
لهولاند.