نواكشوط | باريس | تسارعت تطورات الأحداث في مالي بعدما أحكم ثوار الطوارق سيطرتهم على كامل مناطق شمال مالي من كيدال إلى غاو مروراً بعاصمة الأزواد، موطن الطوارق التاريخي، وتومبكتو. وأعلن الأمين العام لـ«الحركة الوطنية لتحرير الأزواد»، بلال آغ الشريف، أمس، تأسيس دولة «الأزواد المستقلة». وجاء في بيان الاستقلال، أن الدولة الأزوادية الجديدة «تعترف بحدود كافة دول المنطقة، وتعلن انخراطها الكامل في ميثاق الأمم المتحدة، وتتعهد بالعمل على توفير الأمن لكافة السكان، والشروع في عملية البناء المؤسساتي من أجل سن دستور ديموقراطي لدولة الأزواد».
وطالب البيان «منظمة الأمم المتحدة وجميع الهيئات المتفرعة عنها بأن تعترف باستقلال دولة الأزواد». وناشد «جميع دول العالم المؤدية لحق الشعوب في تقرير مصيرها، الاعتراف بجمهورية الأزواد والشروع في استقبال البعثات الدبلوماسية الممثلة لها».
وكان رئيس المكتب السياسي للحركة الوطنية لتحرير أزواد، محمود آغ علي، قد أكّد لـ«الأخبار»، بعد استكمال بسط سيطرة الحركة على المناطق المأهولة بأغلبية من الطوارق والعرب في شمال مالي، أول من أمس، أن «مسألة إعلان استقلال دولة الأزواد باتت منتهية، وأن عاصمتها ستكون مدينة تمبكتو التاريخية، التي احتفلت قبل عامين بالذكرى الألفية الثالثة لتأسيسها». وأضاف أن «ثوار الطوارق قرروا وضع حد للعمليات العسكرية، بعد استكمال تحرير مناطق الشمال، ليتفرغوا لعملية تأسيس وبناء الدولة»، نافياً بذلك الأخبار التي تم ترويجها في بعض وسائل الإعلام الغربية بخصوص «اعتزام ثوار الطوارق الاستمرار في الزحف العسكري حتى إسقاط العاصمة باماكو، بالتحالف مع فرع الصحراء في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
واعتبر الطوارق أنهم بسطوا نفوذهم على كامل أراضي الإقليم، وأن مدينة تمبكتو هي آخر معاقل القوات الحكومية في الشمال، وهو ما يكرس سيطرة الحركة على معظم شمال مالي. وكان عرب أزواد قد ندّدوا بما وصفوه «الاحتلال غير الشرعي» لمدينة تمبكتو من طرف مجموعة «أنصار الدين»، داعين زعيمها اياد آغ غالي الى انهاء هذا الاحتلال.
ونفى مصدر مقرّب من شيوخ القبائل في تمبكتو لـ«الأخبار» ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، بخصوص اجتماعات بين أعيان المدينة وزعيم حركة «أنصار الدين» ، إياد آغ غالي، وثلاثة من قادة «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، هم مختار بن مختار وعبد الحميد أبو زيد ويحيى أبوهمام، من أجل إقامة إمارة إسلامية في تمبكتو تحكمها الشريعة الإسلامية. وأضاف أن «الأخبار التي يتم الترويج بها بخصوص إقامة إمارة إسلامية، وحديث بعض وسائل الإعلام الغربية عن بدء تطبيق الشريعة في تمبكتو، من خلال إقامة حد قطع اليد على بعض المدانين بأعمال سرقة، تندرج ضمن الدعاية التي تقوم بها الطغمة العسكرية التي أطاحت الرئيس أمادو توماني توري في باماكو».
واستدرك بأنّ اجتماعاً قد عُقد بالفعل، أول من أمس، لكنّه كان بين أعيان تمبكتو وعدد من علماء الدين في المدينة وبين إياد آغ غالي وحده، ولم تحضره أي عناصر من «القاعدة»، ولم يتخلل الاجتماع أي بيعة لمنظمة «أنصار الدين» (الجناح الإسلامي في الحركة الوطنية لتحرير الأزواد)، التي لا يعترف بها أعيان تمبكتو».
وتابع المصدر أن آغ غالي استُقبل بوصفه واحداً من الزعامات التاريخية للحركة الأزوادية، منذ فترة التسعينات، وجدّد أعيان تمبكتو وعلماؤها خلال الاجتماع معه نبذهم «للرؤية الوهابية والأفكار الجهادية التي تروّج لها «أنصار الدين»، لأنها تتنافى مع المنهج المعتدل والسلمي للإسلام المالكي الذي يتمسك به سكان المنطقة، سواء منهم العرب أو البربر الطوارق».
حيال هذه التطورات، شدّدت السلطة الجديدة في باماكو لهجتها تجاه الطوارق. وقال قائد الانقلابيين، النقيب أمادو هايا سانوغو، بأن «اللجنة الوطنية للتصحيح الديموقراطي» التي يتزعمها «مستعدة لأي شيء عدا عودة الرئيس المخلوع أمادو توماني توري أو الاعتراف باستقلال الطوارق». وأضاف «نحن ننادي بالإصلاح والحوار الوطني، ونعتبر أن كل شيء قابل للتفاوض، باستثناء عودة النظام السابق أو التفريط في سيادة ووحدة الأراضي المالية». لكن الطغمة التي أطاحت الرئيس تورين الشهر الماضي، بحجة «عجزه عن التصدي للمتمردين الطوارق»، تبدو أقل قدرة من النظام السابق على مواجهة ثوار الطوارق عسكرياً، حيث كانت 3 أسابيع فقط كافية لإخراج كافة القوات العسكرية المالية من مقاطعات الشمال التي يعتبرها الطوارق موطنهم التاريخي.. الشيء الذي يثير مخاوف بعض دول الجوار من انتشار عدوى إعلان «دولة الأزواد»، وخصوصاً أن شعب الطوارق لا يقتصر وجوده في مالي، بل ينتشر أيضا في الجزائر وليبيا والنيجر وبوركينا فاسو.
وهناك مخاوف من أن تؤسس سابقة استقلال الأزواد لـ«ربيع أفريقي»، الشيء الذي قد يدفع بأقليات عرقية أو دينية أخرى إلى المطالبة بالانفصال، وبالتالي إعادة النظر في مبدأ «عدم المساس بالحدود الموروثة عن الاستعمار»، الذي يعتبر عاملاً هاماً في حفظ السلام وتفادي الحروب في القارة الأفريقية من نصف قرن.