باريس | دخلت حملة انتخابات الرئاسة الفرنسية مرحلة الحسم، حيث يُرتقب أن يتسارع إيقاع التنافس خلال الأيام الخمسين الأخيرة قبل موعد الاقتراع. وحيال استمرار المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند في تصدّر استطلاعات الرأي، متقدماً على منافسه الأساسي الرئيس نيكولا ساكوزي بخمس نقاط، لجأ فريق الأخير إلى المزيد من التشدُّد في المواقف لاجتذاب ناخبي اليمين المتطرف. وأطلق ساركوزي، خلال حوار تلفزيوني جمعه أول من أمس مع الرئيس الأسبق للحكومة، الاشتراكي لوران فابيوس، حزمة من الإجراءات المتشددة الجديدة تجاه المهاجرين. وللمرة الأولى في تاريخ الجمهورية الخامسة يجاهر رئيس فرنسي بأن «بلادنا تعاني من عدد زائد عن اللزوم من الأجانب». لكن ساركوزي استدرك بأن هذا الكلام «ليس موجَّهاً لاجتذاب القطاعات اليمينية الأكثر تطرُّفاً»، في إطار دحض اتهامات منافسيه في المعترك الرئاسي، بل هو «كلام براغماتي يأخذ في الاعتبار الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة، إذ لم تعد فرنسا قادرة على توفير شروط الحياة الكريمة للوافدين الجدد من الأجانب، وهو ما يهدّد سياسات الاندماج الفرنسية بالشلل».

من هذا المنطلق، أطلق ساركوزي وعوداً انتخابية بخفض عدد المهاجرين الأجانب، حتى المقيمين منهم في فرنسا بطريقة قانونية، مبرّراً ذلك بالحرص على «السلم الاجتماعي». وقد أكد أن الفرق بين خطابه وخطاب اليمين المتطرف يكمن في عدم تجاوز الخط الأحمر المتمثل في الخلط بين سياسات التحكم في الهجرة، وبين معاداة الفرنسيين من ذوي الأصول الأجنبية، وأشار إلى أنه «لا يجوز ممارسة التفرقة بين الفرنسيين على أسس عرقية أو دينية». إلا أن الرئيس الفرنسي لم يلبث أن وقع في فخ التفرقة العنصرية الذي حذر منه؛ فرداً على سؤال بشأن موقفه من الضجة بخصوص «فضيحة اللحم الحلال»، التي فجّرتها مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان، أجاب ساركوزي بأن من حق المستهلك الفرنسي أن توضَع له إشارات واضحة بأنّ اللحوم الموجهة للاستهلاك العام ليست مذبوحة على الطريقة الإسلامية. تجدر الاشارة إلى أن المعمول به حالياً في فرنسا هو وضع إشارات إلزامية على اللحوم الحلال فقط، ليسهل على الراغبين في تفادي استهلاكها، تمييزها عن باقي اللحوم. من هنا، لا مبرر لمطالبة ساركوزي تجّار اللحوم بوضع إشارات تدلّ على أنّ منتجاتهم ليست «حلالاً»، ولم يكتف الرئيس الفرنسي بذلك، بل قطع شوطاً جديداً في معركة المزايدة على مرشحة اليمين المتطرف في التشدّد تجاه المهاجرين؛ فغداة إعرابه عن نيّته تنظيم استفتاء شعبي في حال فوزه بولاية رئاسية ثانية بخصوص الموقف من المهاجرين الأجانب، عاد ليطلق وعوداً جديدة في تشديد شروط استفادة المقيمين الأجانب من الإعانات الاجتماعية. وقال إنه سيشترط أن يكون الأجانب المستفيدون من دعم الدولة مقيمين في فرنسا منذ 10 سنوات على الأقل، وأن يكونوا قد مارسوا عملاً في فرنسا على مدى 5 سنوات على الأقل.
يدرك الرئيس الفرنسي أن تطبيق شروط كهذه يكاد يكون مستحيلاً، لأنها تخلّ بمبدأ المساواة المنصوص عليه في الدستور بين كافة المقيمين قانونياً في فرنسا. إلا أن مستشاريه يرون أن مجرّد إطلاقه مثل هذه الوعود المتشددة، هو وسيلة فعالة لاجتذاب قطاعات جديدة من الناخبين، وخصوصاً بعدما بدأ يلوح في الأفق احتمال إقصاء مرشحة اليمين المتطرف، مارين لوبان، لفشلها حتى الآن في الحصول على تواقيع 500 ناخب محلي ملزمة لقبول ترشيحها.