مع حلول مساء اليوم، تسدل الستارة في إيران عن فصل تشريعي، وتفتح على آخر جديد، يتوقع أن يهيمن عليه الأصوليون، بتشكيلاتهم وتنوعاتهم المختلفة، من دون أن تنجح أي من القوائم في الفوز بأكثرية المقاعد وحدها بفعل المواجهة الحامية في ما بينها، وذلك في ظل تشتت الإصلاحيين الذين يفترض أن يعودوا تياراً بعد أن يخسروا كتلتهم الوازنة في مجلس الشورى. نتيجة ستتوج على الأرجح معركة انتخابية، يُتوقع أن تتساقط خلالها بعض الرؤوس، الميزة الأبرز فيها نجاح الأصوليين في امتطاء صهوة الإصلاح، ما أفقد الإصلاحيين، الذين يفتقرون لزعامة تحتضنهم، شعاراتهم وبرنامجهم، وحتى رموزهم.
ولعل التداعيات الأكثر تأثيراً لعملية الاقتراع المفترضة اليوم، ستمتد إلى العام المقبل، إلى انتخابات الرئاسة، حيث التوقعات أن «يخرج الرئيس المقبل من تحت عباءة التشكيلة الجديدة، ليضع الاقتصاد في أولى أولوياته، على أن يحافظ على مبادئ الرئيس محمود أحمدي نجاد، لكن يعبر عنها بطريقة أكثر سلاسة ومرونة، سواء في الخطاب أو في الأدبيات»، على ما تفيد مصادر واسعة الاطلاع.
ومن المقرر أن يتوجه 48 ملیوناً و290 الف ناخب إيراني للادلاء بأصواتهم في انتخابات تشريعية لانتخاب مجلس شورى جديد بولاية من أربع سنوات. وبحسب الدستور الإيراني، تفتح مراكز الاقتراع الـ47 ألفاً و665 الموزعة في انحاء البلاد، ابوابها عند الساعة الثامنة صباحا، على ان تغلق هذه المراكز عند الساعة السادسة مساء.
وساد الهدوء التام منذ صباح أمس مع توقف الحملة الدعائية، التي استمرت ثمانية أيام، للمرشحين الـ3467 الذين قبل بهم مجلس صيانة الدستور من أصل 5382 ترشحوا للانتخابات، للمنافسة على 290 مقعداً نيابياً. وكان من المفترض أن يزيد عدد هذه المقاعد إلى 320 بعد تقسيم طهران (30 مقعداً) إلى ثلاث دوائر انتخابية، لكن المشروع أجهض في اللحظة الأخيرة.
ويبدو واضحاً أن التركيز الأساس في هذه الانتخابات على نسبة المشاركة، التي يجهد النظام لأن تكون مرتفعة. يظهر ذلك لدى جميع الأطراف، من مكتب المرشد علي خامنئي الذي رأى في هذه المشاركة «واجباً إسلامياً»، والرئيس محمود أحمدي نجاد الذي رأى فيها «واجباً مدنياً». كذلك فعل وزير الداخلية مصطفى محمد نجار الذي اعتبر أن «التصويت بكثافة وبروح مفعمة بالحماسة والرغبة سيزرع اليأس في نفوس الاعداء». وشملت الحملة الإعلامية تكرار مقولة الإمام الخميني عن أن «مقياس الأمة هو في انتخاباتها».
بل أكثر من ذلك، إذ شدد خامنئي على أن «شعبنا سيوجه عبر مشاركته في الانتخابات صفعة اقوى من تلك التي وجهها إلى الاستكبار في احتفالاته بذكرى انتصار الثورة»، مشدداً على أن «هذه الانتخابات تحظى بأهمية وحساسية اكثر من سابقاتها، وان المشاركة الشعبية ستدفع عجلة البلاد الى الامام، وستجعل الاعداء يترددون في تنفيذ مؤامراتهم وتدفعهم الى التراجع».
وتتوقع استطلاعات الرأي وتقديرات المعنيين أن تراوح نسبة المشاركة بين 57 و65 في المئة على المستوى الوطني، على ألا تتجاوز نسبة الـ40 في المئة في طهران. كذلك تفيد التقديرات بأن تلك المشاركة ستتجاوز الـ70 في المئة في الأرياف، على أن تراوح حول الـ50 في المئة في المدن الكبرى.
ويخوض المرشحون هذه الانتخابات في عدة لوائح، على المستويين الوطني والإقليمي، أبرزها الجبهة المتحدة للأصوليين التي يدعمها رئيس رابطة رجال الدين المناضلين، آية الله مهدوي كني، ورئيس مجمع أساتذة الحوزة الدينية في قم، محمد يزدي. وهناك جبهة الصمود التي تتفيأ بعباءة آية الله مصباح يزدي، الذي سبق ونفى أن يكون مع أي جبهة، وقائمة «صوت الشعب» التي يتزعمها النائب المحافظ البارز علي مطهري، وهي لائحة اصولية منتقدة للدولة تضم في صفوفها شخصيات إصلاحية. وهناك قائمة شباب الجيل الثالث للثورة (أصوليون وإصلاحيون). ولائحة الاستقامة المستقلة، بزعامة محسن رضائي (أصوليون متشددون ومعتدلون). و«جبهة أنصار الحكومة الإسلامية» الموالية للرئيس نجاد. وحصل أن أعلنت مجموعة قريبة من إسفنديار رحيم مشائي، مدير مكتب نجاد المتهم بتزعم «تيار منحرف»، عن تشكيل لائحة باسم «جبهة التوحيد والعدالة» مؤلفة من مرشحين من لوائح أخرى، مشيرين إلى أنها تدعم الرئيس نجاد، ما دفع بالبعض من أعضائها إلى التبرؤ منها. وعليه، سارع نجاد إلى التأكيد أنه ومعه الدولة والحكومة لا يدعمون أي مرشح أو قائمة، وإنما يقومون بواجب إجراء الانتخابات، وبالتالي هو ليس في موقع تفضيل أحد.
وتتقاطع المصادر المعنية بالملف الانتخابي في إيران حول الإشادة «بقدرة الأصوليين على إدارة اللعبة الانتخابية التي فرضوا في خلالها قواعد اشتباك وسيطرة ذكية على الاصطفافات جعلتهم، بكل أطيافهم وتنوعاتهم، الرابحين في دورة الاقتراع هذه مهما تعددت الاحتمالات وتبدلت». وتقول إن «الإصلاحيين، وفي نهاية عملية الاقتراع (مساء اليوم)، لن يعودوا كتلة وازنة داخل مجلس الشورى، على ما كانوا عليه في المجلس المنتهية ولايته رغم أنهم كانوا أقلية، وإنما سيعودون كتيار، وسيكونون مضطرين إلى الانضمام إلى التكتلات الأصولية، أو يعملون مع اساطين الأصوليين مثل علي مطهري وأحمد توكلي وغيرهما». وتضيف أن «هؤلاء (الأصوليين) من أبرز معارضي حكومة نجاد، بل حتى (الرئيس الحالي لمجلس الشورى) علي لاريجاني الذي يعتبرونه ليناً. يتحدثون بلغة (الرئيس السابق محمد) خاتمي الذي كان يقول إنه جاء إلى البرلمان ليفرض مشروعه عل الحكومة التي يريد أن يضعها على سكّة القانون. هم يهاجمون السلطة وبرلمانييها من كبار رموز المحافظين ويستعيدون مقولات الإمام الخميني عن أن الرأي للشعب وبالتالي البرلمان هو الأساس». وتتابع «بذلك يكون هؤلاء الأصوليون قد امتطوا صهوة الإصلاح أكثر من الإصلاحيين أنفسهم، ما دفع ببعض أولئك، مثل سهيلة جلود زادة، إلى التبرؤ من التيار الإصلاحي على قاعدة أننا لا نمثله بل نمثل أنفسنا ببرنامج جديد ورايات جديدة بعدما سقطت الرايات السابقة».
ولعل أبرز مثال على ذلك يمكن استشفافه من لائحة مطهري التي تضم شخصيات أصولية بارزة اشتهرت ليس بسبب انتقادها الحكومة فقط، بل أيضاً لتنديدها بالأجواء السائدة في مجلس الشورى المنتهية ولايته، وانتقادها الأوضاع الاقتصادية والخدمية.
ويبدو لافتاً أن مؤيدي نجاد يتعمدون أن تتصدر حملاتهم الانتخابية صورة المرشد، مع التأكيد أن كل ما كان يشاع عن اختلاف في وجهات النظر معه قد زال. بل هم يؤكدون أن خلافاتهم مع جميع الأطراف، بما فيها الأطراف الأصولية إنما تتم تحت عباءة المرشد وتحت سقف الولاء له. وبرغم وجود أكثر من لائحة معلنة تضم مؤيدين للرئيس نجاد، إلا أن الخطة الأساسية لمجموعته تبدو أنها خوض المعركة بلوائح مناطقية تضم شخصيات شبابية غير معروفة على المستوى الوطني لكنها معروفة في أقاليمها، من المتعلمين والتكنوقراط.
ومعروف أن التيار الإصلاحي في إيران منقسم على نفسه ومشتت في الوقت الراهن. هناك مرشحا الرئاسة السابقان مير حسين موسوي ومهدي كروبي الموضوعان قيد الإقامة الجبرية، ما يجعلهما خارج اللعبة التي يرفضان أصلاً المشاركة فيها تحت عنوان عدم إعطاء مشروعية للانتخابات. وهناك محمد خاتمي، الذي حسم خياره في المشاركة من دون أن يخوض العملية الانتخابية كزعيم للائحة إصلاحية، ما أدى إلى استياء هؤلاء منه. وينقل أحد زوار خاتمي عنه قوله «سأحضر في استوديوم اللعبة لأن غيابي سيكون نهايتنا ونهاية مشروعنا، لذلك أنا مصر على الحضور، ليس كمتفرج وإنما كمشارك لأدلي بصوتي لكي أذكر الناس أن مشروعي لا يزال حيّا ولو أني اعرف أن الربح على الضفة الأخرى».
بدوره، ينقل أحد زوار الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني عنه قوله، قبل أيام، إن المرشد علي خامنئي «هو الضامن الوحيد لاستمرار اللعبة الديموقراطية في البلد، لمصلحة الموالاة والمعارضة». إلا أن حال الإصلاحيين هذه لا تعني غيابهم عن المشهد. يبدو أنهم الآن يراقبون الوضع. لديهم مرشحون في كل مكان، بصفتهم تلك أو كمستقلين، في الكثير من اللوائح الوطنية والمناطقية. ويقدر البعض أن الإصلاحيين ينتظرون النتائج ليروا كم من هؤلاء قد فاز ليعلنوها كتلة من هؤلاء، تقدر بعض المصادر أن تصل إلى نحو 40 أو 50 عضواً في مجلس الشورى.
وفي تقديرها لنتائج الانتخابات على مستوى الصراع الذي تخوضه إيران منذ عقود مع الغرب، ترى المصادر المعنية أن الأخير «سيأكل صفعة تجعله يستيقظ من جديد ليرى أن الشعب الإيراني يلعب لعبته المفضلة في الدقيقة 90 بمفاجآت ستغير من قواعد الحوار والاشتباك معاً».
وستجرى اليوم وبالتزامن مع الانتخابات التشریعیة، الانتخابات التكمیلیة لانتخاب نائبین في مجلس خبراء القیادة في دورته الرابعة في محافظتي خراسان الرضویة وكردستان.



مجلس تعاون لا مواجهة


في نظر البعض، أبرز ما يلفت في العملية الانتخابية الحالية في إيران هو اتجاه جميع الأطراف، من مرشحين وداعمين لهم، إلى الوسط، حيث بدا الاعتدال سمتهم جميعاً في محاولة للفوز بأصوات جميع المعسكرات.
ولعل أكثر ما يتبين هذا التوجه في تصريحات الرئيس الحالي لمجلس الشورى علي لاريجاني الذي أكد أنه يؤيد «الأعمال الجيدة للحكومة»، مشيراً إلى أنه عندما ينتقدها لا يعني هذا أنه ضدها وإنما يريد تصويب مسارها. هناك أيضاً التصريح اللافت للرئيس الأسبق للمجلس، غلام حداد عادل، الذي توقع أن يكون مجلس الشورى المقبل مجلس تعاون مع الحكومة والدولة لا أن يكون مجلس مواجهة على ما كان عليه الوضع في خلال السنوات الأربع الماضية.