«أي قاضٍ يُفكّر بإصدار حكم ضدّ شركة هاليبورتون يكون مجنوناً». بهذه العبارة الهوليوودية، لخّص كبير المحلّلين في شركة «ستراتفور» (Stratfor)، لورين غودريتش، الهجوم الذي تعرّض له القاضي سام كينت حتى أُطيح. كينت كان أوّل مدعٍ عام فيدرالي في الولايات المتّحدة يُتّهم بجرائم جدية. السبب: «جنونه» طبعاً، لكن ليس بحسب المعايير العقلية، إذ بدأت وزارة العدل بملاحقته فور إصداره حكماً ضدّ «هاليبورتون».
التهمة كانت ـــــ مثلما حصل مع مؤسس موقع «ويكيليكس»، جوليان أسانج، والمدير السابق لصندوق النقد الدولي دومينيك شتروس ــ كان ـــــ ممارسة الجنس غير الأخلاقي، رغماً عن الشريك أو ممارسته مع قاصر ... والمخيلة تتّسع. لكن، بحسب اعتراف لورين غودريتش، في رسالة إلكترونية داخلية في شركة «ستراتفور» ( 5417564)، تكشف «ويكيليكس» النقاب عنها، فإنّ «كينت مارس الجنس مع امرأتين، غير أن ذلك حصل بالتراضي، وعندما أثيرَت تلك القضية، كان الزمن قد مرّ على هاتين العلاقتين وانتهتا منذ زمن بعيد». وتعترف المحلّلة الاستخبارية، وفقاً لحوار دار بينها وبين القاضي الأميركي المغضوب عليه في آذار 2009، بأنّ أيّ مسّ بعملاق النفط الذي تخدمه «ستراتفور»، أي «هاليبورتون»، سيترتب عليه العقاب. كيف لا والحديث يدور عن إحدى أكبر الشركات النفطية العالمية التي أمّنت لها حرب العراق عقوداً خيالية بعد احتلاله، تقدَّر بـ 7 مليارات دولار من دون مناقصة شفافة.
وليس عبر المناصرة (Lobbying) في واشنطن ودوائر القرار وحدها تتم «حماية» مصالح الشركة النفطية، بدليل أن الرسائل الإلكترونية الداخلية في «ستراتفور» تكشف أن حرب المعلومات هي على أوجها؛ ففي رسالة إلكترونية صادرة في أيار 2011 (1370900)، تردّ الشركة على تساؤل أحد المهتمين بموضوع التنقيب عن النفط عبر ضخّ المياه والكيمائيات في داخل التشقّقات الأرضية لاستخراج الوقود الأحفوري والغاز عبر الضغط ـــــ وهي عملية ذات ضرر هائل على البيئة وتُثير نقاشاً قانونياً حاداً أوروبياً وأميركياً ـــــ بالقول إنّ «هاليبورتون هي الأولى عالمياً لناحية أسطول المعدّات الخاصّة باستخراج النفط عبر التشقُّقات، وتحلّ وراءها الشركة الفرنسية Schlumberger»؛ لهذا، نجد هذه القوة التي تجدها الشركة من ناحية «اللوبي» في باريس.
وإن كانت المنافسة تُدخل الألاعيب السياسية بقوّة في هذا القطاع، فإنّ الأمور تأخذ منحى أكثر جدية في منطقة الشرق الأوسط التي تحوي ما يقارب ثلثي الاحتياطات العالمية من النفط الخام. وفي رسالة إلكترونية داخلية في آب 2011 (386876)، تُعلّق مديرة المشاريع العالمية في «ستراتفور»، مديرة قسم الصين، جينيفير ريتشموند، على تطوير تقنية الاستخراج عبر الحفر والضغط باستخدام مادّة لزجة (Gel). ردّ تترجمه بما حرفيته أنه «عندما يحدث ذلك، ستُصبح جدوى تقنية الاستخراج عبر ضغط التشققات أكبر في الآبار البحرية وفي منطقة الشرق الأوسط، وستُلغي حاجة الولايات المتّحدة لاستيراد الغاز الطبيعي خلال الأعوام العشرين المقبلة بالحد الأدنى، كما أنها ستُزيل أي مخاوف من أن ينتهي نفط السعودية طالما أنّنا على قيد الحياة».
طبعاً، مثلما يعود الأمر إلى الجنس لخنق الناطقين بالحقّ، يعود الأمر دوماً إلى الطاقة بالنسبة إلى الولايات المتّحدة التي تستهلك نحو 20 في المئة من النفط المنتج في العالم يومياً؛ هنا يصبح كلّ شيء متاحاً. من هذا المنطلق، تُصبح ممارسة الفساد في بلدان العالم الثالث، الغنية بالموارد، مسألة شائعة، إذ يُركّز المحلّل في «ستراتفور»، مارك شرودر، في رسالة إلكترونية داخلية في تشرين الثاني 2011 (5044499)، على قضية الرشوة التي طاولت موظّفين من «هاليبورتون».
إنّه الجشع نفسه الذي يجعل البيئة في آخر الاهتمامات، إذ يتبيّن من ردّ الكاتب في «ستراتفور»، مات غريتكن، على أحد القراء، وفقاً لإحدى الرسائل (1180386)، أنّ «هاليبورتون» هي التي جهّزت البنى الاسمنتية في منصّة شركة «BP» في خليج المكسيك، حيث حلّت المأساة البيئية في عام 2011 بسبب كارثة التسرّب النفطي.