إذا كانت «وكالة الاستخبارات المركزية» (سي. آي. إيه) من أبرز المؤسسات الرسمية الأميركية المتخصصة بالعمل الاستخباري، فإن شركة «ستراتيجيك فوركاستينغ» أو «ستراتفور» STRATFOR هي إحدى أهمّ المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات. «ستراتفور» هي شركة أميركية استخبارية، تعلن على الملأ طبيعة عملها التجسسي، وتفخر بتناغمها الى حدّ بعيد مع الـ«سي آي إيه». «ستراتفور» تجسّد أحد أبرز وجوه خصخصة القطاعات الأميركية الحكومية، مثل الدفاع والأمن والاستخبارات ...
حتى إنها تسمّى في الأوساط الأميركية «الوجه المخصخص للسي آي إيه» (The Private CIA) «ستراتفور»، التي أُنشئت عام ١٩٩٦ في ولاية تكساس، وأساس عملها على شبكة الإنترنت (ترسل تقارير دورية مدفوعة لمشتركيها عبر البريد الإلكتروني)، تعرّف عن نفسها على موقعها بأنها «الجهة التي تزوّد مشتركيها بتحليلات جيو سياسية (...) فتمكّنهم من فهم العلاقات الدولية وماذا يجري فيها الآن، ولماذا يحصل ذلك وماذا سيحدث بعدها». تتباهى «ستراتفور» بتميّز طريقة عملها، إذ تعتمد على «جمع المعلومات من خلال رصد دقيق لمصادر المعلومات المفتوحة وبفضل شبكة عالمية من الموارد البشرية».
اعتماد «ستراتفور» على الموارد البشرية في عملها يعني أمراً واحداً: تجنيد عملاء يتجسسون لحسابها. وعمل الشركة التجسسي يقسم بين العمل الحكومي أي جمع المعلومات للحكومة الأميركية والتجسس على الشركات الكبرى مثل الشركات النفطية ولصالحها ... وهنا تكمن خطورة أن يتكامل عمل «ستراتفور» مع عمل «سي آي إيه».
وفي رسائل إلكترونية متبادلة بين مسؤولي «ستراتفور»، ومنهم رئيس مجلس إدارتها جورج فريدمان، شرح هؤلاء طبيعة عمل الشركة وخصائصها، وقالوا إن «ستراتفور» تملك اليوم حوالى ٢٩٢ ألف مشترك بين أفراد ومؤسسات، وتقوم بإرسال نشرات إلكترونية مجانية لحوالى ٢،٢ مليون قارئ حول العالم، وهي تموّل نفسها من خلال الاشتراكات، كما يقول. وعن طريقة العمل، يشرح المسؤول أن «ستراتفور» هي «شركة ناشرة، تنتج أخباراً وتعتمد الطرق الاستخبارية بدل الطرق الصحافية». وهذا يعني، يضيف المسؤول، أن «لدينا أفراداً يعملون على جمع المعلومات من الميدان ينقلونها الى المحللين الذين يقرأون المعلومات ويحللونها، ثم الى الكتّاب الذين يصيغونها قبل النشر».
لـ«ستراتفور» مجموعة موظفين تطلق عليهم اسم «المصادر»، وهم يعملون على جمع المعلومات، وعلى تجنيد عملاء آخرين. ويتقاضون أجراً مادياً يختلف باختلاف نوع المعلومة التي يحصلون عليها وأهميتها، فكلما كانت المعلومة «دسمة» أو مطلوبة، ارتفع أجرهم (نقل معلومة سرية عن «حزب الله» مثلاً يكون أجرها مرتفعاً جداً). «المصادر» تلك تعمل على الطريقة الاستخبارية النموذجية تحت غطاء دبلوماسي أو أكاديمي أو صحافي ... وينضوون في قسم يدعى «العمليات الخاصة». يرسل «المصدر» تقارير دورياً الى المركز الأمّ، حيث يناقش المسؤولون المعلومات مع مرسلها عبر البريد الإلكتروني.
وبعد الحرب على العراق عام ٢٠٠٣، نشطت «ستراتفور» على نحو ملحوظ في الشرق الأوسط، حيث عملت على تأسيس شبكة عملاء لها في المنطقة. وعقدت الشركة أيضاً اتفاقات سياسية في الداخل الأميركي، إذ ترتبط بعلاقات وطيدة مع عدد من النواب الجمهوريين.
وفي شهر كانون الأول (ديسمبر) عام ٢٠١١، تمكّن قراصنة «أنونيموس» من اختراق موقع «ستراتفور»، والحصول على لوائح المشتركين والرسائل الإلكترونية المتبادلة بين العملاء والمسؤولين عنهم وكمية هائلة من المعلومات ـــــ أكثر من ٥ ملايين رسالة ـــــ والداتا (بنك البيانات) التي كان من المفروض أن تبقى سرية. أين ذهبت تلك الداتا بعد قرصنتها؟ حصلت عليها «ويكيليكس». الموقع الذي عمل منذ عام ٢٠٠٧ على كشف فضائح الشركات والأجهزة، وأخيراً السياسيين والدبلوماسيين، حصل على مراسلات «ستراتفور» السرية وقرر نشرها. «ويكيليكس» الذي يواجه حصاراً مالياً عالمياً تقوده الشركات والمصارف الأميركية الكبرى، قرر أن يقدّم مرة جديدة حقائق وأسراراً مسرّبة تهمّ المواطنين بالدرجة الأولى. وظهر اليوم، يعقد القيّمون على «ويكيليكس» مؤتمراً صحافياً في لندن يعلنون فيه بدء أكثر من ٢٥ شريكاً لهم بنشر المواد السرية التابعة للشركة التجسسية، بالاتفاق مع «ويكيليكس». وبفضل التعاون القائم بين «الأخبار» و«ويكيليكس» حصلنا على مجموعة الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين موظفي «ستراتفور» وعملائهم في دول العالم، بما فيها منطقة الشرق الأوسط ولبنان. وتغطي تلك الرسائل الإلكترونية، الفترة الزمنية الممتدة بين ٢٠٠٠ وأواخر ٢٠١١. وستنشر «الأخبار»، مع باقي شركاء «ويكيليكس»، ابتداءً من الأسبوع المقبل، سلسلة مقالات تتضمن أبرز ما جاء في الرسائل الإلكترونية التي تضمّ مراسلات بين مخبري «ستراتفور» ومسؤوليهم. تدور المراسلات حول مواضيع سياسية واقتصادية وأمنية تشمل دولاً عربيّة، منها: لبنان، العراق، سوريا، دول أميركا اللاتينية، ومعظم الدول التي تجد فيها الولايات المتحدة أرضيّة لمصالحها الاستراتيجيّة، وما يمكن أن يخدم أمنها واقتصادها وسياساتها.
(الأخبار)