بروكسل | انطلقت في مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل، أمس، أعمال الندوة الأوروبية الخاصة بمناقشة «خريطة طريق للاستراتيجيا الأوروبية للعام 2050» في مجال الطاقة. وتشكل الطاقة نقطة حساسة في اقتصادات دول الاتحاد الأوروبية، لكونها تعتمد بنسبة كبيرة على استيراد النفط والغاز. كما أن أحوال الطقس العاصف حالياً سلّطت الأضواء على أزمة إنتاج الكهرباء في القارة العجوز، حيث كان النقاش منذ سنة يتعلق بالتخلي عن إنتاج الكهرباء عبر الطاقة النووية السلمية، والتوجه أكثر فأكثر نحو مصادر الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية وغيرها.
لكن المخاوف من نقص أو انقطاع الكهرباء، في ظل الاستهلاك المتزايد بسبب موجة البرد الحالية، وضعت على جدول أعمال هذه الندوة إشكالية مغايرة تتمثل في وضع استراتيجيا لضمان الاكتفاء الذاتي من الكهرباء لدول الاتحاد، وخصوصاً أنّ التغيرات المناخية المتوقعة من الآن حتى 2050، تُنذر بموجات برد شتوية أكثر قساوة.
وتعتمد الاقتصادات الأوروبية على وضع استراتيجيا جديدة للاتحاد، تعتمد على تحسين الاستهلاك الحالي والتقليل منه عبر اعتماد سلسلة من الإجراءات، كتغيير مواد البناء في المساكن الجديدة لتكون أقل استهلاكاً للطاقة، واستعمال الطاقات الجديدة مثل الشمس والرياح وأمواج البحر.
وتعتمد الاستراتيجيا الجديدة على تحسين الأداء الأوروبي الداخلي عبر وضع شبكة أوروبية متجانسة في مجال استخدام الطاقة واستهلاكها، بشكل تعتمد فيه على تبادل المعلومات الجادة بين الدول حيال ما يتعلق بالاستهلاك وبالمخزون الذي تمتلكه كل دولة. ويشكل الاعتماد على الغاز الطبيعي على المدى المتوسط، احد أهداف الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى خفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون المسؤول، بحسب الخبراء، عن التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية. وضمن هذا المنظور، فإن الطلب على مادة الغاز الطبيعي سيرتفع لتلبية حاجات الدول الأوروبية بسبب اعتمادها تدريجياً على الغاز الطبيعي في مجال التدفئة في المنازل، وذلك على حساب الكهرباء، بحسب وثيقة المفوضية الأوروبية. ووفق المصدر نفسه، فإنّ هذا الأمر سيتطلب استثمارات في تحسين التكنولوجيا الحالية الموجَّهة لقطاع إنتاج الغاز الطبيعي.
وتبقى الدول الأوروبية رهينة جلب مادة الغاز من الدول المجاورة بانتظار ما ستفضي إليه الدراسات في مجال استخراج الغاز من صخور الشيست، بما أنّ الاعتماد على الغاز الطبيعي في مجال التدفئة وإنتاج الكهرباء تؤكده الاستراتيجيا الأوروبية، ولو على المدى المتوسط.
خريطة طريق 2050 للطاقة ترى أن اللجوء إلى الغاز الطبيعي يجب أن يكون مرحلة انتقالية من أجل الوصول إلى استخدام الطاقات الجديدة والمتجددة، كتلك المستخرجة من الكتلة الحيوية، والطاقة الشمسية والرياح وغيرها من الوسائل الجديدة. تجدر الاشارة إلى أن سعر الطاقة في أوروبا يفوق سعرها في الولايات المتحدة بنسبة 21 في المئة، بينما يصل إلى 197 في المئة مقارنةً مع سعرها في الصين. كما تعتمد الاستراتيجيا الأوروبية الجديدة على إيجاد حلول لهذه الفوارق، عبر اللجوء إلى أحدث التكنولوجيات التي تؤدي إلى التقليل من الاستهلاك، وتحسين المعادلة بتقليص الفارق في الكلفة.
ويُعتبَر اللجوء إلى إنتاج الكهرباء بالوسائل الصديقة للبيئة مثل الشمس، ركيزةً للاستراتيجيا الأوروبية لسنة 2050، وهي التي أشارت إلى أنّ لجوء دول أوروبية كاليونان إلى تكثيف استخدام الطاقة الشمسية، هو السبيل الأمثل مستقبلاً.
التوجُّه نحو بلدان جنوب المتوسط لربطها بشبكات نقل الكهرباء إلى أوروبا أصبح حاجة ملحّة لمواجهة التزايد في الطلب على الطاقة في أوروبا، وذلك بموازاة البحث عن التخلُّص من الطاقات الملوثة للبيئة. فبعدما كانت أوروبا تستورد النفط والغاز من دول جنوب المتوسط، فهي الآن تستعد لاستيراد الكهرباء من تلك الدول، وتحديداً تلك التي يتم توليدها بالطاقة الشمسية بحيث تُنقل إلى أوروبا عبر طرق «صديقة للبيئة»، تشكّل ثورة جديدة تستفيد منها الطبيعة بشكل أساسي، لأن نقل الطاقة التقليدية واستخراجها يتسببان في الكثير من الكوارث الطبيعية. هذا التوجه الجديد سيتبعه تغيّر أساسي في سوق استخدام الطاقة داخل أوروبا، بما ينعكس في طرق جديدة لبناء منازل أقل استهلاكاً للطاقة، بل منتجة لها في بعض الحالات. خلاصة القول إنه في حال طُبِّقَت «خريطة طريق أوروبا للطاقة لسنة 2050»، فهي تحمل ثروة حقيقية ستغير حياة الإنسان مستقبلاً.