بروكسل | استبق الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي القمة الأوروبية الاستثنائية التي افتتحت أمس في بروكسل، بقرار انفرادي فرض بموجبه ضريبة على المبادلات المالية في فرنسا، على أمل أن توافق عليها بقية الدول الأوروبية، لتعمم إلى منطقة اليورو في مرحلة أولى، ثم سيتَفاوَض عليها مع القوى والتكتلات الإقليمية الأخرى، في إطار مجموعة العشرين، لتصبح ضريبة عالمية تنطبق على المبادلات المالية في كل البورصات.القرار الفرنسي جاء في ظرف انتخابي دفع ساركوزي إلى التعجيل به، لكسب تأييد الشارع الفرنسي الذي يعارض السيطرة المتزايدة لأصحاب الأموال على دفة الاقتصاد، وتسبب مضارباتهم في الأزمة المالية العالمية، من دون أن يتحملوا نصيبهم في دفع «فاتورة الأزمة». هذا القرار الانفرادي وضع القمة الأوروبية أمام تحدٍّ شائك جديد أضيف في اللحظة الأخيرة إلى القضايا الإشكالية الأخرى المتعلقة بإجراءات استقرار منطقة اليورو في ظل تفاقم أزمات الدين العام لدول الاتحاد.
أما بريطانيا، فقد جددت خلال هذه القمة رفضها للضريبة على المعاملات المالية، وكان قد سبق لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أن شرح في منتدى دافوس، قبل أيام، أن بلاده ستتمسك بموقفها؛ لأن ضريبة كهذه «ستؤدي إلى هروب رؤوس الأموال من الأسواق والبورصات الأوروبية». لكن ساركوزي يراهن على دعم حليفته الأقوى ألمانيا لإقناع بقية الدول الأوروبية المترددة باعتماد هذه الضريبة.
ومن المرتقب أن توافق هذه القمة على إدراج آلية الاستقرار المالي لمنطقة اليورو ضمن اتفاقية أوروبية، وذلك سيؤدي إلى تغيير التشريعات الوطنية لدول الاتحاد حتى تتوافق مع هذه الاتفاقية. وستكون هذه الآلية دائمة وستتولى تقديم الدعم المالي للدول الأوروبية المتضررة من أزمة الديون، لكنها ستحظى بضمانات قوية من دول الاتحاد الأوروبي حتى لا تتضرر من تصنيفات الوكالات الائتمانية. وستكون لها طاقة إقراض تقدّر بـ 500 مليار يورو. ويجري النقاش خلال هذه القمة لتفعيل العمل بهذه الآلية مع بداية تموز المقبل.
عمل تشريعي آخر ينتظر قادة أوروبا في هذه القمة، ويكمن في التصديق على ميثاق الموازنات الذي سيلزم الدول الأوروبية بعدم السماح بتجاوز العجز في ميزانياتها أكثر من ثلاثة في المئة من الدخل القومي. والدول التي لن تحترم هذا الالتزام ستقع تحت طائلة العقوبات المالية الأوروبية. ومع دخول هذا الميثاق حيز التنفيذ، سيتكون للمفوضية الأوروبية في بروكسل سلطة إضافية في مراقبة الموازنات العامة قبل أن تصوِّت عليها البرلمانات الوطنية.
وهناك تحدٍّ آخر أمام قمة القادة الأوروبيين، يتمثل في دعوة خمس دول أوروبية، على رأسها ألمانيا، إلى وضع دولة اليونان تحت الوصاية المالية الأوروبية المباشرة، بعدما اكتشفت دول الاتحاد أن السلطات اليونانية لا تحترم تعهداته المالية، ولا تزال مستمرة في تزوير أرقام اقتصادها ومؤشراته. وبالرغم من رفض اليونان للوصاية الأوروبية، بحجة أنها تعدٍّ على سيادته الوطنية، إلا أن لدى دول الاتحاد حجة قوية للضغط على حكومة أثينا، من خلال التهديد بتجميد صرف 130 مليار يورو من المساعدات المرتقبة.
ورغم ضغط كل هذه المواضيع الخلافية المطروحة للنقاش، إلا أن أولوية قادة الاتحاد الأوروبي تبقى الخروج من هذه القمة بقرارات إيجابية واضحة في مجال إعادة النمو إلى الاقتصاد الأوروبي وتنشيط آليات خلق مناصب العمل، وذلك من أجل الخروج من حلقة الركود الحالية.