باريس | على غرار «سفاح المرافعات»، المحامي الفرنسي الأشهر جاك فيرجيس، تُعد إيزابيل كوتان باير، التي بدأت مشوارها المهني محامية في مكتبه، من أبرز المدافعين عن مساجين الرأي العرب في فرنسا. وقد رافعت كوتان باير، منذ ربع قرن، عن عدد بارز من مناضلي القضايا العربية ممن وقعوا ضحية «إرهاب الدولة» الفرنسي، وفي مقدمتهم المناضل الأممي إليتش راميريز سانشيز، الشهير بلقب كارلوس، الذي تتولى الدفاع عنه منذ اختطافه من قبل الاستخبارات الفرنسية في الخرطوم عام 1994. وفي خطوة تذكِّر بزواج جاك فيرجيس من المناضلة الوطنية الجزائرية جميلة بوحيرد، بعد الحكم عليها بالاعدام سنة 1958، ارتبطت كوتان باير بكارلوس عام 2003، إثر إدانته بالسجن المؤبَّد.
وارتبط اسم هذه المحامية، ذات التوجه اليساري، بالدفاع أيضاً عن عشرات الإسلاميين المعتقلين في فرنسا بتهمة «الإرهاب»، بدءاً بزعيم تيار «التوحيد»، الجزائري محمد شلبي، وصولاً إلى الناشط الفرنسي زكريا موساوي، المسجون في الولايات المتحدة بتهمة أنه «الانتحاري الرقم عشرون في هجمات 11 ايول 2001». وقد سبق أن دافعت كوتان باير عن والدة زكريا، عائشة الوافي في فرنسا. ومن أشهر موكليها أيضاً، الناشط الجزائري مروان بن حامد، الذي لفّق له محامي مكافحة الإرهاب السابق، جان لوي بروغيير، تهمة التخطيط لهجمات إرهابية في فرنسا، ضمن ما سُمِّي «الشبكات الشيشانية» التي تم تفكيكها في الضواحي الباريسية خلال أعياد نهاية العام 2003. وقد استُخدمت تلك التهم الملفقة لإدراج اسم بن حامد ضمن كبار قادة تنظيم «القاعدة»، من قبل وزير الخارجية الأميركي في حينها كولن باول، وذلك في مرافعته الشهيرة أمام مجلس الأمن الدولي عشية حرب غزو العراق.
ارتبط اسم كوتان باير أيضاً بالدفاع عن الفيلسوف روجيه غارودي، وذلك في المحاكمة المكارثية في فرنسا، على خلفية كتابه الشهير «الأساطير المؤسِّسة لدولة إسرائيل». كما أنها لم تقف مكتوفة الأيدي حيال الظلم المسلط على عميد سجناء الرأي العرب في فرنسا، جورج إبراهيم عبد الله (راجع عدد الأخبار» في 18 كانون الثاني 2012). لكن المحامية المذكورة استدركت، في اتصال لاحق مع «الأخبار»، بأنها لم تكن عضواً في «هيئة الدفاع» عن عبد الله، خلافاً لما ورد في «الأخبار». وتقول كوتان باير عن هذا الموضوع إن «جورج عبد الله ليس موكلي بالمفهوم القضائي المحض، ولم أكن ضمن هيئة الدفاع عنه التي اقتصرت تقريباً على جاك فيرجيس، لكنني أتعاطف مع قضية عبد الله، وأعتني به وأزوره في السجن لأنني أعتبر أنه ليس سجيناً، بل رهينة محتجزة منذ 28 عاماً بموجب مؤامرة أميركية ـ فرنسية ـ إسرائيلية». وتتابع المحامية «كان جورج عبد الله ضحية مؤامرة استخبارية. ولم يقتصر الأمر فقط على ما قام به جهاز الاستخبارات الفرنسية (دي إس تي)، بل اشتركت الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية أيضاً في اختلاق مخبأ الأسلحة الذي اعتُبر دليلاً (ملفَّقاً) على اشتراك عبد الله في العمليات الفدائية التي نُسبت إلى الألوية الثورية المسلحة اللبنانية في فرنسا».
كذلك تكشف المحامية مزيداً من التفاصيل حول الدور الذي قامت به الاستخبارات الجزائرية في الوساطة التي كان من المفترض أن تُفضي إلى الإفراج عن جورج عبد الله، والتي كان كارلوس أول من تحدث عنها في رسالة مفتوحة الى الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة. وتقول كوتان باير «أرى أن الاستخبارات الجزائرية خانت كلمة الشرف التي قطعتها للمقاومة خلال الوساطة التي أدّت إلى إطلاق سراح الرهينة الفرنسي جيل بيرول، الذي كان مخطوفاً في لبنان، حيث أُفرج عنه في آذار 1985، بعدما تعهدت الاستخبارات الجزائرية بأن يفرج الفرنسيون في المقابل عن جورج عبد الله، لكن فرنسا أخلّت لاحقاً بتعهداتها، ويُعدُّ سكوت السلطات الجزائرية عن ذلك خيانة واشتراكاً في إرهاب الدولة الذي أبقى عبد الله رهينة في السجون الفرنسية حتى اليوم». ورغم ذلك، تشير كوتان باير إلى أنه «لا يصح القول إنني عضو في هيئة الدفاع عن جورج عبد الله، لأنه ليس موكلي على صعيد الإجراءات القضائية المحض، والأصح أنني أقف إلى جانبه تطوعاً، وأسهم في فضح المؤامرة الظالمة التي استهدفته، وذلك على غرار ما أفعله مع كل مساجين الرأي العرب في فرنسا، حيث أساندهم وأدافع عنهم بقطع النظر عن توجهاتهم الفكرية، يساريين كانو أو قوميين أو إسلاميين».