مقديشو | أعلنت شركة «هورن بتروليوم» الكندية بدء عملية حفر الآبار النفطية في مناطق تابعة لحكومة إقليم «بونت لاند» الصومالي، لذلك، تستعد الشركة حالياً لحفر البئر «شبيل 1» (النمر الأول) بعمق 3800 متر، بعد إنجاز حفرة تجريبية وصل عمقها إلى 50 متراً. وتستخدم الشركة في عمليات الحفر للآبار النفطية جهاز «سكسون 501» الذي سيؤدي دوراً مميزاً في إتمام الحلم الصومالي في مدة أقصاها 90 يوماً في منطقة وادي «طرور» من إقليم «الشرق».
وبعد نجاح العملية، سينتقل الجهاز إلى حفر بئرين أخريين في وادي «نوغال» من محافظة «نوغال». ولم تحفر في الصومال آبار نفطية منذ 20 عاماً، عاشت البلاد خلالها أزمة كبيرة أدت إلى إسقاط الحكومة المركزية عام 1991، ومنعت الشركات الأجنبية خلالها من استخراج النفط والمعادن لأسباب تتعلق بشروط الشركات حيال العقود النفطية.
وتقع البئر «شبيل 1» وعدة آبار قريبة منها، في منطقة «طرور» الشمالية. وتعمل البئر في نظام صدع العمر الجوراسي الذي هو جزء من نفس النظام الذي استخرج منه النفط في حوضي «المسيلة» و«شبوة» في اليمن، وهو الذي يحتوي على نحو 6 مليارات برميل من النفط. ويقدَّر أنه يوجد في بئر «شبيل 1» أكثر من 300 مليون برميل من النفط القابل للاستخراج، علماً أن وجود الصخور الجوراسية الغنية في عمق البئر، يخفف من التقديرات النفطية الموجودة فيا، بما أن الدراسات تفيد بأن الحجر الرملي الموجود في هذه الأراضي الصومالية وخزانات الكربونات وأنظمة الطبقات السفلى الجوراسية والطباشيرية، مشابهة لتلك الموجودة في اليمن.
وقال رئيس المجلس التنفيذي لشركة «هورن بتروليوم»، دايفيد غريلمان، إنّ بدء عمليات الحفر في وادي «طرور» سيكون معلماً رئيسياً في تقدير إمكانيات وجود النفط في شمال الصومال. وتابع «لدينا دعم قوي جداً من حكومة إقليم بونت لاند ومن المجتمع المحلي، وجميعهم حريصون على رؤية استئناف التنمية في مناطقهم بعد فترات طويلة من الصراع الداخلي». وأشار إلى أن هذه الآبار هي الأولى التي يتم حفرها في المناطق العميقة في أحواض الصدع، وسيكون لها دور رئيسي في تفجير الطاقات الهيدروكربونية التي لم تستكشف بعد.
بدورها، لفتت الناشطة الاجتماعية في مدينة «جرووي»، عاصمة سلطات «بونت لاند»، زهرة إسحاق، إلى أن استخراج النفط في مناطق شمال شرق البلاد سيكون نعمة ورفاهية لصالح جميع أبناء الشعب الصومالي. وتذكّر إسحاق بأن سبع قبائل توحّدت بعد استخراج النفط، وحُلّت جميع المشاكل العالقة في ما بينها، «لذلك نريد أن نخطو نحو هذا الاتجاه لنتوحّد من جديد».
ووقعت حكومة إقليم «بونت لاند» الصومالية، مع شركة «هورن بتروليوم» الكندية والشركات المتعاونة معها، صفقة تمنحها حصة 51 في المئة من الانتاج في مقابل عملية التنقيب، رغم معارضة بعض النواب من البرلمان الانتقالي الصومالي للاتفاقية لأنها تعطي نسبة أكبر للشركات، فيما يصرّ نواب آخرون على وقف عملية التنقيب إلى حين عودة الاستقرار لجميع أرجاء البلاد.
ودار خلاف سياسي ودستوري بين الحكومة الانتقالية الصومالية وحكومة إقليم «بونت لاند» عام 2006، بعد إبرام الأخيرة عقوداً سرية مع شركات لم توافق الحكومة المركزية عليها، علما أن قانون النفط الصومالي ينص على أنه يحق لكل حكومة إقليمية معترف بها لدى الحكومة المركزية في مقديشو، استخراج نفطها ومعادنها، وذلك بشرط موافقة البرلمان الصومالي على العقود المبرمة، وتقسيم المحصول إلى قسمين، قسم للسلطة المركزية، وقسم آخر للسلطة الإقليمية.
وأوضح رئيس حكومة إقليم «بونت لاند»، عبد الرحمن محمد محمود فرولي، أن رئيس الوزراء الصومالي عبد الولي محمد، وافق رسمياً على بدء عملية التنقيب النفطي في «بونت لاند»، ووقع في سبيل ذلك على مذكرة قبل أسبوعين في مدينة «بوصاصو» بمحافظة الشرق. وأشار إلى أن مستقبل الصومال يُظهر في الأفق ملامح انفراج لأزمة المجاعة والأمراض المعدية والحروب الأهلية. وقال فرولي، خلال افتتاح مشروع التنقيب، إن «فوائد حقول النفط في بونت لاند لن تكون محصورة بسكانه، بل إنها ستكفل التنمية والازدهار لكل البلد، ولن يكون سبباً لصراع اقتصادي بين المحافظات والقبائل الصومالية».
وفي السياق، توقعت وزارة النفط والطاقة والمعادن والمياه في حكومة «بونت لاند» أن يشهد الإقليم في الشهور القليلة المقبلة، اكتشاف المزيد من حقول النفط الجديدة. وكشفت الوزارة عن جهود مبذولة للتوسُّع في عمليات الاستكشاف النفطي، إلى جانب بناء مصانع مصفاة لزيادة الطاقة الإنتاجية النفطية. وبالفعل، بدأت عمليات التنقيب بعد توقيع اتفاقية مع «هورن بتروليوم» الكندية، وذلك بعد إجراء المسح الجيولوجي والجيوفيزيائي في مناطق مختلفة من مناطق شمال شرق البلاد.
أما وزير النفط والمعادن والطاقة والمياه للحكومة الانتقالية الصومالية عبد القادر طيمبل، فطمأن إلى أن الحكومة المركزية ستتسلم نصف المحصول النفطي لكل إقليم يتمتع بحكم ذاتي، وذلك بموجب ما ينص عليه قانون النفط الذي وافقه البرلمان الانتقالي عليه عام 2007.
واستعداداً للخوض في مجال استخراج النفط في الشمال، أكّد ضابط صومالي رفيع المستوى، رفض الكشف عن هويته، أنّ قوات عسكرية واستخبارية تابعة لسلطات إقليم «بونت لاند»، اتخذت إجراءات أمنية كافية لتشديد الرقابة على جميع المنافذ البرية لمنطقتي وادي «طرور» و«نوغال» لصدّ أي هجمات إرهابية أو قبلية محتملة.



قصّة الفشل في 1985


تردّدت الحكومة الصومالية السابقة، بقيادة اللواء محمد سياد بري، في التوقيع على اتفاقية تنقيب مع شركات «شيفرون» الأميركية و«توتال» الفرنسية و«صن أويل» الأميركية عام 1985، بعد اكتشاف كميات نفطية في بلدات «كوطا» و«براوه» و«هومبوي» و«أفجوي» و«مقديشو» ومناطق أخرى من وسط وشمال البلاد، خاصة عند الحدود مع جيبوتي وكينيا. واشترطت الحكومة في حينها، إبرام عقد يخفض حصّة الشركات من 51 إلى 48 في المئة، إلا أن مسؤولي الشركات الثلاث رفضوا ذلك. بعدها، انهارت الصومال بعد سقوط الحكومة العسكرية في 26 كانون الثاني 1991. وقد توقع المتخصص في الاقتصاد محمد إبراهيم أن يصبح الصومال موضع اهتمام من الدول الكبرى على خلفية استئناف النشاط النفطي فيه، ما قد يشجع على الاستثمار في مجال النفط والزراعة والصناعية، إضافة إلى تصدير الأغنام والموز والعسل الصافي والمعطرات والأسماك إلى دول عربية وأوروبية.