إسطنبول | دخلت التحضيرات التركية لإعداد دستور جديد للبلاد مراحلها الجدية، لتبدأ النقاشات بالهمّ الأكبر، أي بما يجدر تضمينه في ما يتعلق بالقضية الكردية. لذلك، بدأت المساعي الحكومية بمحاولة معرفة ماذا يريد «الأكراد الجيدون» من الدستور الجديد لبلادهم، بما أن «الأكراد السيئون» بالمفهوم التركي الرسمي، الذين تمثلهم التنظيمات الكردية القومية، أكان حزب العمال الكردستاني أم حزب السلام والديموقراطية، أم اتحاد المنظمات الكردية، لا يرتضون بما يقل عن الحكم الذاتي أو الفدرالية. ولأنّ الوضع كذلك، شهدت الساحة التركية أمس، حملة أمنية كبيرة ضد ما بات البعض يسمّونه «الأكراد السيئين»، وذلك، بحسب تفسير البعض، بهدف إقصاء الطرف الرافض للتفاوض في ما يجب أن يحويه الدستور الجديد، وحصر المحاور الكردي بهؤلاء الذين لا يتفقون مع الأحزاب القومية الكردية المتمسكة بموقفها، أي لإقصاء «العمال الكردستاني» و«السلام والديموقراطية» و«اتحاد المنظمات الكردية» عن المفاوضات.وبالفعل، أعلن عدد من ممثلي الأكراد الأتراك مطالبهم الدستورية التي حوت أحياناً مطلب الحكم الذاتي والسماح بتدريس اللغة الكردية كلغة رسمية، بموازاة حملة شنتها قوى الأمن على رموز كردية كبيرة جداً، في مقدمتهم النائبة الكردية المشاكسة عن «السلام والديموقراطية»، الأسيرة السابقة، ليلى زانا. وطاولت الحملة ستّ مدن تركية لاعتقال قيادات في kck، وهو الفرع المديني لحزب «العمال الكردستاني». وبحسب الرواية الرسمية، فقد اعتُقل عدد من رؤساء البلديات الكردية. إلا أن الأهم كان عملية دهم منزل النائبة زانا في أنقرة، وهي التي لم تعتقل هذه المرة، لكن صودر جهاز الكومبيوتر الخاص بها إضافة إلى عدد من الوثائق والأوراق. لم تعتقل زانا بما أنها تتمتع بالحصانة البرلمانية، علماً بأنها عندما كانت نائبة في المرة الأولى عام 1994، سُجنت عشر سنوات بعدما أصرّت على عدم التحدث في البرلمان إلا بلغتها الكردية. وزانا اليوم من رموز النضال الكردي القومي، وهي حاملة جوائز عدة في مجال النضال من أجل حقوق الإنسان. وقد فسّر بعض الخبراء الأمنيين والصحافيين توقيت الحملة الأمنية على الـ kck برغبة السلطات في إقصاء الوجوه المتشددة في المعسكر الكردي ممن يرفضون الخوض في أي مساومات أو مفاوضات بشأن الدستور الجديد الجاري الإعداد له. وقال الكاتب المعروف في صحيفة «راديكال» المعارضة، أورال شاليشلار، إنه «في الوقت الذي تجري فيه النقاشات بشأن الدستور الجديد، تحاول بعض الدوائر التمييز بين أكراد جيدين وأكراد سيئين». وأشار شاليشلار إلى أن «الأحزاب تظن أنه إذا وضعنا الأكراد السيئين في السجن، فسيظل الأكراد الجيدون وحيدين في محاورتنا». ورأى في السياق أنه ليس جميع الأكراد متفقين مع رؤية حزب السلام والديموقراطية، لكن جميعهم يصرّون على حق التعليم بلغتهم الأم. غير أن التوقّعات بإمكان التحاور مع طرف كردي أكثر «اعتدالاً» من «السلام والديموقراطية» الممثل بـ 36 نائباً في البرلمان، لم تأتِ بما يشتهيه حكام أنقرة؛ إذ قدّم حزبا «هاك ـــــ بار» و«كاديب» الكرديان غير الممثلين في البرلمان التركي، إضافة إلى 100 منظمة تمثل المجتمع المدني الكردي منضوين في ما يعرف بـ dtk، قدمت مطالبها بما تريده من الدستور الجديد، فجاءت نسخة طبق الأصل عن خطاب «السلام والديموقراطية» وحتى «العمال الكردستاني»، فجاء فيها: نريد وضعية قانونية يُسمَح بموجبها لما يعرف جغرافياً بكردستان، أن يحكم نفسه بنفسه، إضافة إلى الاعتراف باللغة الكردية كلغة رسمية ثانية، مع السماح بتأسيس أحزاب تحمل في اسمها كلمات كردي أو كردستان.
وعلّق رئيس «السلام والديموقراطية»، صلاح الدين ديميرتاش، على هذه التطورات بالقول إنه «للمرة الأولى في التاريخ التركي، يتاح للمجتمع إعداد دستور مدني للجمهورية بما يفتح المجال بحل المسألة الكردية بطريقة سلمية وديموقراطية وعادلة».
في المقابل، أكدت وكالة «فرات» للأنباء، المقربة من «العمال الكردستاني»، أمس، أن حزب «العدالة والتنمية» الحاكم ينوي التحالف مع الحزب القومي اليميني المتطرف المعروف بمعاداته للأكراد، «الحركة القومية الكردية»، في إعداد الدستور الجديد بما أن حزب رجب طيب أردوغان لا يملك الغالبية البرلمانية لإعداد دستور جديد بمفرده، «لذلك لن يؤخذ مطالب الأكراد بالاعتبار في الدستور الجديد». وممّا يعزّز من احتمالات التعاون بين «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية الكردية»، واقع أنّ الحزب القومي لا يعارض مشاريع أردوغان وحكومته في تحويل النظام السياسي في البلاد إلى رئاسي بدل برلماني، وهو ما يعارضه بنحو قاطع، كبير الأحزاب المعارضة، «الشعب الجمهوري».