بروكسل | كشفت دراسة أعدتها المكاتب المتخصصة في الاتحاد الأوروبي، ونُشرت أمس، أن أوروبا بحاجة إلى جلب 90 مليون مهاجر من خارج الدول الأوروبية، من الآن إلى سنة 2050، لتدارك الخلل الناجم عن عدم التكافؤ بين الفئات الاجتماعية الفاعلة في سوق الشغل، والفئات المسنّة المحالة على التقاعد. وجاء في الدراسة التي كشفت أمس، أن 71 بالمئة من الأوروبيين واعون لأزمة الشيخوخة. وبينت الاستطلاعات أن الأزمة لا تثير القلق سوى لدى 42 بالمئة منهم، وذلك على عكس مراكز القرار الأوروبية، التي تعطي أولوية قصوى لمعالجة هذه المشكلة، بالنظر إلى العواقب الاقتصادية والديموغرافية الوخيمة التي ستترتّب عليها. وأكد أكثر من 60 بالمئة من الأوروبيين الذين استُجوبوا في الدراسة بأنهم يأملون أن يُسمح للمتقاعدين بأن يستمروا بشكل أو آخر في العمل. وقال60بالمئة أيضاً ممن هم في سن تؤهلهم للتقاعد إنهم يرغبون في الاستمرار في النشاط الاقتصادي، وعدم الركون إلى التقاعد. ويعد هذا المعطى أمراً جديداً في المجتمعات الأوروبية، وهو من إفرازات الأزمة الاقتصادية، حيث لم تعد منح التقاعد والإعانات الاجتماعية كافية لتلبية حاجيات الفئات المسنة.
والطريف في هذه الدراسة، التي غطت كامل دول الاتحاد الأوروبي، أن المعنى الذي يُمنح لمفاهيم الشباب والشيخوخة تختلف من بلد إلى آخر. ففي البرتغال ومالطا والسويد، يعدّ المرء شاباً إلى غاية سن الـ 37، أما لدى القبارصة واليونانيين، فإنك تُعدّ شاباً حتى سن الـ 50. أما المعدل الأوروبي، فقد قالت الدراسة إنه يحدد الشباب بسن 41.8 سنة، والشيخ بالـ 64.
وبينت الدراسة أن أزمة الشيخوخة المتنامية في الدول الأوروبية ستتعاظم في السنوات المقبلة، لحكم الانخفاض الذي تشهده نسبة الولادات في كامل أوروبا. مما سيحتّم على الاتحاد جلب المزيد من اليد العاملة من الخارج، وبالأخص من دول شمال أفريقيا بحكم القرب الجغرافي والصلات الثقافية.
وأُعلن أمس رسمياً انطلاق فعالية «سنة الشيخوخة النشطة والتكافل بين الأجيال» في 2012، التي تهدف المفوضية الأوروبية من خلالها إلى الحفاظ على نشاط فاعل لفئات مسنين في الدورة الاقتصادية. وكانت غالبية الدول الأوروبية قد قررت سابقاً تأخير سن التقاعد إلى 65 أو 67 سنة، وهو ما أثار موجات احتجاج واسعة، وخصوصاً في اليونان وفرنسا، اللتين كانت سن التقاعد فيهما هي الأخفض في دول الاتحاد الأوروبي.
وللمرة الأولى في تاريخها المعاصر، تجد أوروبا نفسها أمام مفارقة غريبة تتمثل في تنامي التيارات العنصرية المعادية للمهاجرين، وفي الوقت ذاته ازدياد الحاجة إلى جلب الملايين من الأجانب من أجل إبقاء حيوية العجلة الاقتصادية، كما ظهر أيضاً تنافس غير معلن بين الدول الأوروبية، بخصوص كيفية تقاسم كوتات المهاجرين، حيث بدأت دول الاتحاد الأوروبي بمطالبة مفوضية بروكسل باتخاذ إجراءات تحكيمية لمنع أي دولة من دول الاتحاد من استقطاب مهاجري الدول الأخرى!
ويذكر أن الولايات المتحدة وكندا تمكنتا من حل معضلة شيخوخة اليد العاملة، من خلال استقبال 200 مليون مهاجر جديد. أما الحكومات الأوروبية، فإنها لا تزال تفكر في كيفية استيعاب 90 مليون مهاجر جديد يحتاج إليهم اقتصادها، من دون إثارة الفئات المحافظة والتيارات المتطرفة التي تعادي الأجانب.