بروكسل | قرّرت المفوضية الأوروبية، في اجتماعها الأسبوعي أمس، فرض عقوبات اقتصادية على المجر لدفعها إلى تقليص العجز في ميزانتيها، وفقاً لما ينص عليه «ميثاق التنمية والاستقرار» الأوروبي، فيما منحت المفوضية مهلة إضافية لبلجيكا لمعالجة الخلل في ميزانيتها، وذلك لتفادي عقوبات أوروبية مماثلة لتلك التي فرضت على المجر. وطلبت المفوضية الأوروبية من المجر التصحيح الفوري للعجز في ميزانيتها العامة، بما يتوافق مع ميثاق التنمية والاستقرار الأوروبي الذي يشترط ألا يتجاوز عجز ميزانية دول الاتحاد الأوروبي 3 في المئة من ناتجها القومي. كذلك طالبت المفوضية المجر بإحداث تعديلات تشريعية تتبنى المبادئ التي حددها الاتحاد الأوروبي في تسيير الشأن الاقتصادي، وقررت تجميد المساعدات الاستثمارية التي تتلقاها بودابست من صندوق الانسجام الأوروبي، بدءاً من مطلع عام 2013، وهي التي تزيد قيمتها على مليار يورو. بناءً على ذلك، لن تُصرَف تلك المساعدات ما لم تتجاوب الحكومة المجرية مع الشروط الأوروبية.
في المقابل، خالفت المفوضية الأوروبية التوقعات التي كانت تتنبّأ بفرض عقوبات على بلجيكا، إذ اكتفت المفوضية بمنح بروكسل مهلة إضافية، بعدما قدمت الحكومة البلجيكية ملفاً متكاملاً من الإصلاحات الاقتصادية المقررة، سُلِّم إلى المفوضية الأوروبية يوم الاثنين الماضي. ورأى خبراء أوروبيون أن الرد البلجيكي كان كافياً للتجاوب مع انشغالات المفوضية في ما يتعلق بتقليص عجز الميزانية. ويمنح القرار الأوروبي بروكسل مهلة إضافية هي أشبه بجرعة أوكسجين للحكومة التي يترأسها الفرانكوفوني إليو دي روبي، والتي تألّفت بعد سنة ونصف من الفراغ السياسي. وتمنح المهلة الأوروبية متّسعاً من الوقت للحكومة البلجيكية المركزية لمواجهة موجة الاحتجاجات الاجتماعية التي قررت النقابات البلجيكية تنظيمها، وذلك على خلفية ما اعتُمد في الميزانية الجديدة، وتحديداً بخصوص تغيير سن التقاعد وتوحيد النظام الاجتماعي للمتقاعدين، واتخاذ إجراءات جديدة في نمط تسيير منح البطالة وصرفها. وهي إجراءات تقشفية تعارضها النقابات العمالية والفعاليات الاجتماعية المختلفة.
تجدر الإشارة إلى أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في بلجيكا يعرف تدهوراً غير مسبوق منذ اندلاع أزمة الديون السيادية في اليونان، التي انتقلت لاحقاً إلى إسبانيا والبرتغال وإيطاليا، وطالت انعكاساتها كلاً من فرنسا وألمانيا. ويواجه الحزب الاشتراكي البلجيكي الحاكم مفارقة تتمثل في التناقض الصارخ بين الإجراءات التقشفية المتخذة من جهة، والقيم اليسارية التي يدافع عنها الحزب لمصلحة الطبقات الفقيرة والعمال من جهة أخرى. لذلك تعرّض رئيس الحزب والحكومة، دي روبي، لانتقادات شديدة من قبل القواعد الشعبية الحزبية، بسبب سياسات التقشف التي تتبناها حكومته تحت ضغط الأزمة الاقتصادية الخانقة.
ورغم ذلك، فقد سادت موجة من التفاؤل على أثر المهلة الأوروبية، إذ اعتُبرت هذه المهلة دليلاً على أن المؤشرات العامة للاقتصاد البلجيكي مشجعة. وخلص المتفائلون إلى أن الخبراء الأوروبيين اقتنعوا بنجاعة البرنامج الذي تعتمده بروكسل لمعالجة تبعات الأزمة العالمية. لكن الأمور قد تتغير على ضوء تقرير المفوضية الأوروبية الذي يصدر في الربيع المقبل، وهو الذي يرصد التوجهات العامة لاقتصاديات بلدان المنظومة الأوروبية الموحدة. لكن بجميع الأحوال، كسبت بلجيكا بضعة أشهر بانتظار صدور تقرير الربيع، ولو أنّ التنبؤات لا تزال متشائمة، باعتراف المفوض الأوروبي أولي رين الذي رأى أمس أن المؤشرات البلجيكية والأوروبية عموماً لا تزال «غير مشجعة». لكن رين استدرك بأن ذلك يتطلب التحلي بالمزيد من الصرامة في مراقبة مشاكل الديون وعجز الميزانيات العمومية.