باريس | خلافاً لما كان مرتقباً، لم تؤدّ القمة الفرنسية ـــــ الألمانية، التي جمعت، أمس، في برلين الرئيس نيكولا ساركوزي والمستشارة أنجيلا ميركل، الى أي قرار ملموس في ما يتعلق بسن ضريبة عالمية على المبادلات المالية في البورصة. واكتفت المستشارة الألمانية بـ«إعلان نيات» قالت فيه إنها توافق ساكوزي على ضرورة أن تبادر المجموعة الأوروبية إلى تفعيل ضريبة من هذا النوع، لكي تشجع بقية القوى الاقتصادية العالمية على تعميمها، لتشمل لاحقاً مختلف البورصات العالمية.
لكن ميركل استدركت بأنها طلبت من الرئيس الفرنسي التريث إلى غاية انعقاد القمة الأوروبية، في شهر آذار المقبل، من أجل إشراك مختلف الأطراف الأوروبية في هذا المسعى. وتابعت المستشارة الألمانية إن إنجاح هذه الضريبة مرتبط بإقناع أكبر عدد ممكن من الدول التي تنتمي إلى الاتحاد الأوروبي (27 دولة) أو التي تعمل بالعملة الأوروبية الموحدة «اليورو» (17 دولة) بالانضمام إليها.
تجدر الإشارة إلى أن فكرة سن ضريبة عالمية على مبادلات البورصة كان قد طرحها عام 1972 عالم الاقتصاد البريطاني الحائز جائزة «نوبل»، جيمس توبين. وعادت فكرة هذه الضريبة إلى الواجهة بقوة، مطلع التسعينيات، في ظل مد العولمة. ولم يعد الهدف من الضريبة على المعاملات المالية مقتصراً على تمويل مشاريع تنموية عالمية لمحاربة الفقر، بل أصبح الأمر يتعلق أيضاً بإيجاد أداة ضريبية لكبح جشع المؤسسات المتخصصة في المضاربة. وكان الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، قد أطلق في بداية ولايته الرئاسية الثانية، عام 2002، مبادرة لتفعيل ضريبة عالمية من هذا النوع، لكن تلك الجهود لم تُثمر.
واستعاد الرئيس ساركوزي هذه الفكرة، إثر تفجر الأزمة المالية العالمية، قبل ثلاث سنوات، وسعى من خلال قمم مجموعة الثماني، ثم مجموعة العشرين لاحقاً، إلى إقناع القوى الاقتصادية الكبرى بضرورة سن ضريبة عالمية من هذا النوع، ضمن ما سمّاه مساعي «أنسنة الرأسمالية». لكن الإجماع الظاهري على تأييد هذه المبادرة، من قبل القوى الاقتصادية الغربية، لم يتجاوز حدود إعلان النيات.
ومع اقتراب الاستحقاق الرئاسي الفرنسي، يواجه الرئيس الفرنسي انتقادات شديدة من قبل المعارضة اليسارية، التي تذكّر باستمرار أن وعوده الاقتصادية ظلت مجرد حبر على ورق، وخاصةً في ما يتعلق بـ«أنسنة الرأسمالية».
واشتدت هذه الانتقادات أكثر، مع افتتاح الحملة الانتخابية الفرنسية رسمياً، في الأسبوع الماضي. لذا، قرّر ساركوزي وضع المجموعة الأوروبية أمام الأمر الواقع. وصرّح يوم الجمعة الماضي، قبل يومين من القمة الفرنسية ـــــ الألمانية، التي جرت أمس، بأنه يعتزم إدراج الضريبة على المبادلات المالية على نحو أحادي في قانون المالية التكميلي الفرنسي، الذي سيُقرّ في نهاية الشهر الجاري، إن لم يجد التجاوب المطلوب من ألمانيا وبقية الدول الأوروبية، الشيء الذي دفع المستشارة الألمانية إلى إبداء بعض المرونة، من خلال إعلان دعمها المبدئي لمبادرة الرئيس الفرنسي، مع المطالبة في الوقت ذاته بالتريث إلى غاية انعقاد القمة الأوروبية.
ويستبعد الخبراء أن تخرج القمة الأوروبية بأي قرار ملموس في هذا الشأن، لأن القرارات في المجموعة الأوروبية تُتخذ بالإجماع، وخصوصاً أن مشروع الضريبة العالمية في الاتحاد الأوروبي يصطدم بمعارضة بريطانيا. أما في مجموعة دول العملة الأوروبية الموحدة، فإن السويد وإيرلندا تعارضان المبادرة.