جوبا | فجأةً ومن دون سابق انذار وجدت دولة جنوب السودان نفسها في منعطف تاريخي، هي التي ما زالت حديثة الولادة ولم تُنهِ عامها الثالث بعد. أزمة تضعها أمام تحديات كبيرة، أخطرها انحدار البلاد نحو حرب أهلية، هي التي لم تحل بعد مشاكلها مع الجارة الأم السودان، في قضايا وضعت البلدين في أكثر من محطة أمام خطر نشوب حرب بينهما.
ماذا حصل ولماذا وصلت البلاد إلى هذه المرحلة الخطيرة؟
بدأت الأزمة بين حليفي الأمس، الرئيس سلفاكير ميارديت، ونائبه السابق رفيقه رياك مشار تانج، في شهر تموز الماضي، عندما أقال سلفاكير نائبه بدعوى الخروج إلى الإعلام وانتقاد الحكومة، كما أقال حينها كل الوزراء واتهمهم بالفساد وعين وزراء آخرين بدلاً منهم، واصفاً إياهم بأنهم «الوزراء الذين يريدهم الشعب»، كما أقال الأمين العام للحزب فاقان أموم أوكيج وكبير المفاوضين في الحزب، وأحاله على التحقيق في تهم تتعلق بإفشاء أسرار الحزب إلى الإعلام وقضايا تتعلق بالفساد.
ظلت الأوضاع هادئة منذ ذلك الحين، إلى أن جاء إعلان الرئيس بعقد اجتماع مجلس التحرير للحركة الشعبية في التاسع من الشهر الحالي، لإيجاد الحلول للقضايا العالقة بين رئيس الحزب سلفاكير ميارديت، ونائبه رياك مشار تانج، حول مسائل تتعلق ببنود الدستور ومطالب بعض قادة الحزب بتغيير اسم الحزب، الذي ما زال يحمل اسم «السودان الكبير»، والذي يرجع إلى فترة النضال ضد السودان الموحد.
وقد عقد مشار مع مجموعة تدعى «أولاد قرنق»، نسبة إلى قائد الحركة الشعبية السابق الراحل جون قرنق دي مبيور، وتضم فاقان أموم وأوياي دينق أجاك، مستشار الرئيس السابق، وجون لوك، ودينق الور، وأرملة قرنق ربيكا نياندينق وآخرين، مؤتمراً صحافياً وجهوا فيه الاتهامات مباشرة إلى الرئيس بالفساد وبسوء استخدام السلطة، وحمّلوه مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية والاقتصادية في البلاد.
كذلك أكد المجتمعون حينها أن سلفاكير لم يعد يمثل حزب الحركة الشعبية، وأن البلاد مهددة بالاضطرابات إذا لم يقم بإصلاحات جذرية لإخراج البلاد من الأزمة.
كذلك طالب المجتمعون حينها الرئيس بتحديد أجندة لاجتماع مجلس التحرير المرتقب، إلا أن الحزب بقيادة سلفاكير تجاهل هذه التحذيرات، وقلل من أهميتها، إلى أن بدأت اجتماعات مجلس التحرير يوم السبت الماضي 14 كانون أول في مدينة جوبا، وسط مخاوف بين المواطنين والمراقبين نتيجة الاحتقان والتهديات الأخيرة من رياك وأنصاره.
انتهى اليوم الأول للاجتماع بتوطئة ومقدمات للأجندة التى ينبغي الاتفاق بشأنها، وفي اليوم التالي انسحب رياك مشار مع بعض أنصاره من الاجتماع، متهماً الرئيس بأنه لم يكن ديمقراطياً في رئاسته للاجتماع والمداولات. وإثر ذلك، وليلة الأحد فوجئ مواطنو مدينة جوبا بنشوب اشتباكات في وسط المدينة بلا سابق إنذار، حيث بدأ إطلاق النار في التاسعة ليلاً في منطقة جبل كجور، الواقعة غرب جنوبي المدينة في القيادة العامة للجيش الشعبي، إثر انشقاق كتيبة «التايغر» المعروف بولائه لرياك مشار أثناء النضال. ونشبت مواجهات بين كتيبة تايغر وفصائل أخرى من الجيش الشعبي، عند محاولتهم الاستيلاء على مخزن للأسلحة الثقيلة والذخائر في القيادة العامة، ومنها بدأت اصوات الأسلحة الثقيلة من قيادة بلفام العسكرية، وجرى الاستيلاء على القيادة العامة من قبل المتمردين، كما سماهم الرئيس، لتنشب حرب ادت إلى ما أدت إليه في الأيام الأربعة الماضية، ولترسم معالم حرب تهدد البلاد بين قبيلتي الدينكا والنوير،حيث ينتمي سلفاكير ميارديت إلى قبيلة الدينكا، ورياك مشار إلى قبيلة النوير، لتبدأ الأزمة في الانتشار في بقية الولايات من انشقاقات وحركات تمرد، ليظهر بعدها الرئيس سلفاكير وهو يرتدي زيه العسكري، معلناً فشل العملية الانقلابية بقيادة نائبه مشار.