تونس | غداة الاحتفالات الخجولة بانطلاقة الثورة التونسية من مدينة سيدي بوزيد، والتي غاب عنها الرؤساء الثلاثة، تواصل تونس مخاضها السياسي الأليم لاخراج الحكومة الجديدة بعد التوافق على المهدي جمعة لتشكيلها، بينما فشل «المجلس الأعلى لدعم الثورة» في تعبئة الشارع للضغط على الحكومة.المجلس الذي يتشكل من جمعيات ومنظمات وأحزاب قريبة من حركة النهضة تعتبر الحكومة متساهلة مع رموز النظام السابق الذين عاد غالبيتهم الى الحياة السياسية من الباب الكبير.
هذه المعطيات تؤكد حقيقة مهمة في الشارع التونسي. وهي أن خطاب الثورة لم يعد يغري أحداً، وأن جزءاً كبيراً من التونسيين أصبح يعتبر ان ما حدث هو انقلاب غير معلن، ومؤامرة استهدفت تونس لتمرير مشروع الربيع العربي.
حتى الذين حلموا وساندوا وشاركوا في الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بزين العابدين بن علي، يعيشون خيبة أمل كبيرة بعد عجز حكومتي «النهضة» على إقناع الشارع بالحد الأدنى من الأداء.

في هذا المناخ الكئيب شكّل اختيار الرباعي، الراعي للحوار الوطني، لمهدي جمعة نقطة أمل قد تساهم في انفراج الأزمة. وقد سجلت بورصة تونس تحسناً في المعاملات بداية من يوم الاثنين، في حين تراجعت الأحزاب السياسية التي رفضت التصويت لجمعة عن قرار المقاطعة. وينتظر استئناف الحوار الوطني غداً الجمعة.
وتعتبر أحزاب المسار الديموقراطي الاجتماعي وحركة نداء تونس والجمهوري والجبهة الشعبية، بأن موقفها النهائي من جمعة سيكون حسب التزامه بخارطة الطريق، والتي تنص أساساً على تشكيلة حكومة كفاءات ومراجعة التعيينات في الادارة وفي المناصب العليا ووضع حد للإرهاب والتهريب وجنون الأسعار.
وبدأ جمعة مشاوراته لتشكيل الحكومة التي يتوقع ان يكلف اليوم أو غداً رسمياً بتشكيلها من الرئيس المؤقت محمد منصف المرزوقي، بعد استقالة حكومة علي العريض.
وفي سياق متصل عقد أمس السفير الأميركي في تونس، جاكوب والس، ندوة صحافية أعلن فيها عزم بلاده على دعم الحكومة التونسية في مواجهة مخاطر الإرهاب، معتبراً أن تونس حالياً غير قادرة على مواجهة هذه المخاطر وحدها.
وأكد انه سيكون هناك تعاون أمني كبير بين تونس والولايات المتحدة في مجال التدريب والدعم اللوجستي، نافياً نية بلاده إقامة قاعدة عسكرية في الجنوب التونسي. السفير الأميركي قال أيضاً انه سيتم تشريك الخبراء التونسيين في تدريب الجيش الليبي. وتحدث عن مشروع أميركي في هذا الاتجاه. ونفى والس، الذي يقوم منذ أسابيع بلقاءات مكثفة بين قادة الأحزاب وزعماء المنظمات «لتقريب وجهات النظر»، أن تكون بلاده وراء تفجير الانتفاضة التونسية التي أطاحت ببن علي.
الشارع التونسي استعاد شيئاً من التفاؤل، لكنه تفاؤل حذر وسيكون تشكيل الحكومة محدداً للمستقبل؛ فإذا نجح جمعة، الذي وصفته جريدة «لوموند» الفرنسية بأنه مرشح الشركات النفطية الفرنسية والأميركية، في تشكيل حكومته في ظرف قصير وفرض أسماء مستقلة فعلاً، فإن ذلك سيكون مؤشر أمل كبير في انتظار أن يبدأ في عملية إصلاح عاجلة لوضع حد لهيمنة «النهضة» على مفاصل الدولة. أما اذا فشل فان كل شيء سيعود الى النقطة الصفر او أسوأ.