طهران | من الممكن أن نقول إنه من الباكر أن نتكلم عن تأثير اتّفاق جنيف في رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران؛ لأنّه علی حد قول كثير من الخبراء الاقتصاديين في الجمهورية الاسلامية، أي خطوة في هذا المجال تحتاج إلی وقت يتجاوز الأشهر أو السّنين، ولا نستطيع أن نتوقع تأثيراً فوريّاً وشاملاً في مدیً قريب.
‌برغم ذلك، لدى بعض السّياسيين في إيران رأي آخر، فهم يرون في الاتفاق النووي الأخير تأثيرات إیجابیة غير مسبوقة. من بين هؤلاء منصور حقيقت‌ بور، وهو نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشوری الإسلامي في ايران.
يری حقيقت بور «اتفاق جنيف كأفق مضيء لإيران وكل بلدان العالم، لأن كلّ الذين كانوا يحاولون في مجال إيران ‌ــ فوبيا، انهزموا في مخططهم للوصول الی هذا الهدف، وعلاقات إيران والغرب والدّول العربیة سترجع إلی العقلانية والمنطق».
وبعد مفاوضات جنيف وفي الأيّام الأخيرة، زار بعض مسؤولي دول المنطقة، مثل وزير خارجية تركيا أحمد داوود أوغلو، وكذلك وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زاید آل نهیان، طهران. وفي المقابل، زار وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف، ‌الكويت والإمارات «وسيتبين على نحو دائم تطور العلاقات الثنائية بين ايران وبلدان المنطقة والعالم، وكل هذا من تبعات اتفاق جنيف الإيجابية».
زيارة الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني، المرتقبة إلی السعودية ولقاؤه المسؤولين السعوديين، وخاصة الملك عبد الله بن عبد العزيز، إضافة الی‌ تطوّر العلاقات بين ايران والعالم،‌ «تبشّر بالخير لكل المنطقة والعالم، لأنّ السعودية دولة كبيرة ومؤثّرة، ومع توسيع التعاون الثّنائي بين البلدين سيحلّ كثير من النزاعات على الصعد الإقليميّة والعالميّة».
بحسب اتفاق جنيف، يفترض رفع بعض العقوبات عن إيران؛ فمع استمرار هذا النهج، «ستصير العلاقات الإيرانية ـــ الغربية أكثر منطقية ومعقولية، لأنّ كثيراً من الدّول ترغب في التّعامل الاقتصادي مع ايران، وخاصّة في مجال النفط والطاقة».
في رأي النائب حقيقت بور، «لدی كثير من مشتري النفط الإيراني مشاكل حول طرق الدفع،‌ لكن بعد اتفاق جنيف نری أنّ كثيراً من مثل هذه المشاكل رفعت. وفي مجال تجارة الذهب والعملات الذهبية، رُفعت العقوبات وسيشهد القطاع المصرفي كثيراً من الانفتاح مع الخارج، وخصوصاً أنّ بعض المصارف التركية والطاجيكية سُمح لهم بالتعاملَ مع الجانب الإيراني».
الآراء حول هذا الموضوع تختلف بالنسبة الی السیاسیین والاقتصادیین الی حدّ ما؛ يقول في هذا المجال الخبير المصرفي الايراني عنايت فهندج، الذي عمل عدة سنوات مديراً لبعض فروع المصارف الإيرانية في الدّول العربيّة، ومن ضمنها لبنان،‌ «إنّ عدم نقل المال ووقف التّعاون مع المصارف الأجنبيّة، من أهمّ المشاكل لدى القطاع المصرفي الإيراني، وفي الظروف الراهنة»، مشيراً إلى أن«الكلام عن تأثير رفع العقوبات بعد الاتّفاق النوويّ الأخير، باكر جداً، لأنّ مثل هذه القوانين تحتاج إلی مراسيم خاصّة، وحتّی تصل إلی مرحلة التّنفيذ یستغرق الأمر وقتاً طويلاً». واضاف «لا يزال العراق، بعد مضي أكثر من 10 سنوات من الغزو الأميركي، متأثراً بالعقوبات المفروضة عليه، وخاصة في قطاعه المصرفي، وكذلك لا نستطيع أن نتوقّع رفع العقوبات على نحو كامل عن ‌ايران بين ليلة وضحاها، وعلينا أن ننتظر لأنّ مثل هذه الأمور تحتاج إلى وقت أكثر من أي شيء آخر؛ إضافة إلی هذا الأمر إنّ بعض الجهات الدّوليّة يتربح على نحو كبير من مثل هذه العقوبات، لأنّه في سوق أسود يبيع بضاعةً يحتاج إليها القطاعان الخاص والعام في ايران، وهذه العصابات الخارجيّة تؤثّر في بعض القرارات الدّولية، وهي من ضمن الموانع الرئيسة للوصول إلی النّتيجة، وهي رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران».
الطّيران الإيراني كذلك من القطاعات الّتي تأثّرت تأثراً كبيراً بالعقوبات الاقتصاديّة ضد هذا البلد، لكن هذا التّأثير لم يكن سلبياً على نحو كامل، وثمة بعض الإيجابيات فيها. وهذا الأمر يؤكّده بعض الخبراء ومهندسي الطّيران في الخطوط الجوية الإيرانية «إيران إير».
محسن عطابور، من متخصصي شركة الطيران الوطني في ايران، عمل منذ سنوات في مجال صيانة وإصلاح الطّائرات الإيرانية؛ يقول: «صحيح أنّ قطاع الطّيران صناعة غير وطنية في إيران وأثّرت العقوبات عليها على نحو واسع، لكن إبداعات المهندسين الإيرانيين غطّت كثيراً من المشاكل والأزمات في هذا المجال».
ويضيف ان قطاع الطّيران في ايران «مرّ بظروف صعبة، لكنه لم يتوقف عن العمل ولو يوما واحدا، لأنّ المتخصصین في شركة «إيران‌ إير» استطاعوا أن یشتروا قطع غيار لازمة من السّوق غير الرّسمي بسعر أغلی حتّی یصلحوا الطّائرات من أجل استمرار عملها في الدّاخل والخارج». باختصار يمكن أن نقول إنّ العقوبات لم توقّف هذا القطاع عن العمل، وإضافة الی هذا أعطت المهندسین قوّة إضافيّة في الإبداع لإصلاح الطّائرات وتوطين صناعة بعض القطع في الدّاخل.
يقول الخبير في شأن الطيران الإيراني: «في السّنوات الأخيرة لم تسمح لنا العقوبات بان ننقل الطّائرات الی أوروبا من أجل إصلاحها، وتُلزمنا هذه الظّروف بأن نحاول أكثر أن نصلح هذه الطّائرات ولو بتكلفة أغلی في الدّاخل. ونستطيع أن نقول إن العقوبات أعطتنا قوّة إضافيّة في هذه المسألة، وهذه نقطة إيجابيّة لنا».
بالطبع، لن يكون تأثير الاتفاق النوويّ الأخير في قطاع الطيران الإيراني في مستقبل قريب. وفي الأيام الأخيرة لم يتغير شيء على نحو واسع، لكن إذا نفَّذ هذا الاتفاق، فسنری انفتاحاً كبيراً وواسعاً لقطاع الطيران في إيران، لأنّ هذا القطاع بحاجة إلی بعض الطائرات الجديدة من أجل إضافتها إلى خدمة الناس والبلد.
نقل الأموال من أهمّ المشاكل التي يواجهها الطيران الإيراني، لأنّ مكاتب هذه الشّركة في الخارج تحتاج إلی خدمات مصرفيّة في هذا المجال من أجل استمرار عملها، وكذلك شراء الوقود من مختلف المطارات في أنحاء العالم. وهذا القطاع ینتظر أن تحلّ هذه المشكلة مع رفع العقوبات عن قطاع الطّيران الوطنيّ الإيرانيّ.
مع وجود هذه العقوبات الصّعبة، یمكننا القول إنّه في هذه السّنوات كل الطّائرات أقلعت من أرض المطارات الإيرانيّة على نحو آمن، وهذا بفضل جهود المتخصّصين الإيرانيّين لإصلاح الطّائرات وصيانتها وفق الأصول الاحترافيّة في هذا القطاع.
في شأن قطاع الملاحة والشحن البحري، كإحدى أهمّ طرق نقل البضائع في العالم، فالأمر يختلف إلی حدٍّ ما؛ لأن قطاع الملاحة في ايران من أكبر قطاعات في المنطقة والعالم في مجال نقل البضائع، والعقوبات الاقتصادية، وخاصّة في الأشهر الأخيرة، أثّرت على نحو إيجابي فيه؛ هذا ما يؤكّده الخبير في شأن الملاحة والشحن البحري حسين ميرصادقي، الذي عمل مديراً لمكتب شركة الملاحة الوطنيّة الإيرانيّة في تونس وليبيا منذ سنين.
بعد تشديد العقوبات، وخاصّة في الأشهر الأخيرة، أوقفت كلّ شركات الملاحة العالميّة عملها مع إيران «ومن أجل هذا الأمر، تشتغل شركة الملاحة الوطنية الإيرانية للشحن البحري حالياً بكامل قدرتها». وبناءً عليه فإن رفع العقوبات لن يغيّر شيئاً وستستمرّ في العمل بكامل قدراتها.
یقول میر صادقي: «العقوبات أعطت إیران تجارب كثيرة، وجعلتها في هذه الظروف تعرف أصدقاءها من أعدائها. وفي رأيي، حتّى بعد رفع العقوبات لن يكون عندنا ثقة كثيرة بالجانب الأوروبي والغربيّ لأنّه من الممكن أن يفرض علينا الغربيّون عقوبات مرّة أخری في المستقبل».
في المستقبل، الملاحة الإيرانية ستميل الى آسيا اكثر من أوروبا وأميركا. وفي شأن الاتفاق النووي يمكننا القول، إنّ هذا الاتفاق في الأسابيع الأخيرة كان له تأثير نفسي أكثر من التأثير الواقعي، ومن ضمنه يمكن أن نذكر تحسن سعر الريال الايراني امام الدولار.
في أي حال يبدو أنّ الواقع يختلف إلی حد ما بین كلام السياسييّن والاقتصادیین، لأنّه علی حد قول الخبراء الاقتصادیین، ‌الطّريق طويلة وصعبة للوصول إلی‌ رفع العقوبات على نحو كامل.




لبنان مستفيد من رفع العقوبات

يحتاج لبنان على نحو اكيد الی الطّاقة الكهربائية. لقد حالت العقوبات المفروضة دون وصول كهرباء إيران الی لبنان في السّنوات الأخيرة. ومع رفع هذه العقوبات، سيتمكن هذا البلد من أن يستفيد من التعاون الثنائي في هذا المجال.
نعرف أن البلدین اتّفقا علی تصدير 1000 ميغاوات من الطاقة الكهربائية وإنتاجها علی الأراضي اللبنانیة، لكن العقوبات منعت من الوصول الی‌ هذا الهدف، وآليتها اللازمة، ورأينا أن الجانب اللبناني ومسؤولي هذا البلد رحّبوا على نحو واسع باتّفاق جنيف وبرفع العقوبات المفروضة. وقبل أيّام جرت مفاوضات إيجابية بين الجانب اللبناني ووفد من وزارة الطاقة الإیرانیة في موضوع الكهرباء.