الفشل مما مضى، والقلق من المستقبل. عبارتان تختصران قراءة إسرائيل للاتفاق الإيراني الغربي. وإذا كان فشل جهود السنوات الماضية قد تلمسته اسرائيل حتى ما قبل انجاز الاتفاق في جنيف، الا ان القلق من الآتي، بأبعاده الاستراتيجية، سيجري تلمسه تباعاً، بما يشمل مناعة النظام الإيراني وتحصّنه بصورة أكثر تأكيداً.
وقد يكون رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، اختصر دلالات الفشل والقلق، في تعقيبه الفوري على انجاز الاتفاق بقوله إنه «خطأ تاريخي». والخطأ هنا لا يقاس، فقط بكون الاتفاق يكرس ايران دولة نووية تحظى بشرعية دولية، مع ما تنطوي عليه من خطر وجودي على اسرائيل، بل لأنه يعزز قوة ايران وحضورها في المنطقة.
لجأت اسرائيل خلال السنوات الماضية الى العديد من الوسائل والرهانات، لقطع الطريق على تحول ايران الى دولة نووية، وتوسلت لذلك أعمالاً عدائية حاولت من خلالها عرقلة تقدم المشروع النووي تقنياً، أو من خلال سياسة التهديد بشن هجوم عسكري، او من خلال العقوبات الدولية، التي نجحت فيها الى حد دفع المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات قاسية على إيران. وكان لهذه العقوبات الأثر القاسي على الاقتصاد الإيراني، وراهنت تل أبيب كثيراً على إمكان أن يؤدي الضغط الاقتصادي الى هزيمة طهران من الداخل، وإلا، في حال مواصلة المساعي النووية، أن تجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة الى اتخاذ خيارات أكثر حزماً وشدة، في مواجهة ايران، وصولاً الى الخيار العسكري.
لكن في مقابل كل الجهود والرهانات، جاء اتفاق جنيف ليعلن فشل الجهود الاسرائيلية، وليقر بتحول بتحول ايران الى دولة نووية، قادرة وبإقرار الجميع، بمن فيهم اسرائيل، على انتاج اسلحة نووية لو توفرت لدى طهران الارادة السياسية لذلك، وهو فشل مدوّ لسياسة المنع التي اتبعتها تل أبيب، خلال السنوات الماضية.
أيضاً، كشف التقدم النووي الايراني أن التلويح بالخيار العسكري الاسرائيلي لم يمنع ايران من مواصلة مساعيها النووية، وهو فشل قد يكون سبق اتفاق جنيف، حتى ان نتنياهو في مرحلة سابقة شكا امام الاميركيين بأن المشكلة مع ايران انها لا تكترث لتهديداتنا، ومن هنا كان يشدد على ضرورة ان تقرن الولايات المتحدة حزمة العقوبات المفروضة على طهران، بتهديد يتمتع بصدقية.
ويشار، في سياق الفشل الاسرائيلي، الى ان العقوبات المفروضة على ايران، ورغم انها تسببت بأضرار قاسية للاقتصاد الايراني، الا ان المؤكد انها لم تتمكن من كسر قرار القيادة الايرانية بالتمسك ببرنامجها النووي، كما لم تؤد الى انقلاب الشعب الايراني على نظامه، وهو الرهان الذي أمل المسؤولون في تل ابيب وفي واشنطن ان يتحقق فور اعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الاخيرة في ايران.
لجهة القلق من الآتي، يمكن الإشارة الى ان تل ابيب لا تقرأ الاتفاق بما يرد فيه من بنود فقط، بل كونه اتفاقاً، جمد المواجهة مع طهران، وأضعف مفاعيل السيف المصلت على الاقتصاد الايراني من باب العقوبات، وبالتالي جعل نظام الجمهورية الاسلامية أكثر تحصيناً من الداخل، بل وربما يؤسس أيضاً لمعادلات اقليمية، ستكون يد ايران فيها العليا.
والأهم من زاوية تل ابيب، أن الاتفاق شكل إقراراً دولياً غربياً، وتحديداً من قبل الدول الست الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية، بشرعية ايران النووية، تلك الشرعية التي كانت ممنوعة عن ايران حتى الأمس القريب، والتي كانت عماد وأساس الحملة الاسرائيلية التحريضية على ايران، وهو ما سيؤثر سلباً على المقاربة الاسرائيلية لاحقاً.
أيضاً، ينسحب قلق اسرائيل من المستقبل على الأوراق الموجودة بحوزتها، والتي كانت تهدد بها ايران، ومن ضمنها التهديد بالخيارات العسكرية، سواء من قبلها او من قبل الولايات المتحدة. وهو خيار بات غير ذي صلة في مقاربة الموضوع الايراني عامة، والبرنامج النووي خاصة.
ولا يخفي الاسرائيليون قلقهم من تداعيات الاتفاق لجهة انه يساهم في اقرار النظام الإسلامي في طهران وتحصينه. بمعنى أن التسوية او المواجهة المقبلة مع ايران، بينها وبين الولايات المتحدة تحديداً، ستخاص بعيداً عن جغرافية ايران وحدودها، وستكون مركزة في ساحات المقاومة الأخرى، التي تحظى بغطاء ودعم واحتضان إيراني. وهو كباش سيكون محكوماً بقواعد اشتباك جديدة، مغايرة تماماً لقواعد الاشتباك التي كانت سائدة حتى الآن.