«لم أختبر يوماً تجربة زلزال كبير، لكني بتُّ أعرف الآن شعور مَن عاشَه، إذ إني أمضيت الأسبوع الماضي في السعودية والإمارات العربية المتحدة»، هكذا وصف الكاتب الصحافي توماس فريدمان من دبي أجواء الخليج العربي خلال المحادثات الدولية حول النووي الإيراني في سويسرا، والتي انتهت أمس باتفاق أوّلي بين المجتمعين يمهّد لاتفاق شامل بعد أشهر. «هو زلزال جيوسياسي» سمّاه فريدمان الذي رأى أن تأثيرات اتفاق أميركي ــ دولي ــ إيراني على المنطقة «قد تفوق وقع كامب ديفيد والثورة الإيرانية معاً في إعادة ترتيب الشرق الأوسط».

أجواء الخليج العربي لم تصل الى الصحافيين المحتشدين منذ الصباح الباكر في بهو فندق إنتركونتيننتال أول من أمس، الذين تساءلوا خلال ساعات من الانتظار «هل قطع الوزير جون كيري كل تلك المسافة كي يخرج خالي الوفاض؟»، «هل استُدعي الى جنيف لأن اتفاقاً تمّ بين الأطراف أو لأنهم يحتاجون اليه بغية إتمامه؟». لم يجب أحد من المسؤولين الدوليين بوضوح عن أسئلة الصحافيين المرابطين في المكان، الى أن خرج وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف تلاه نظيره الأميركي كيري الذي تحدّث عن تحقيق «خطوة أولى باتجاه اتفاق نهائي». الوزير الأميركي أعلن للصحافيين أن «إيران وافقت على تعليق تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 5%، كما وافقت على تخفيض أو تحويل مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 20%، وعلى عدم بناء وحدات تخصيب جديدة». «تلك النسب التي كانت تسمح بامتلاك سلاح نووي إن خُصّبت»، شرح كيري، «لن تعود كذلك بعد ستّة أشهر». وبينما شدد الوزير الاميركي على أهمية بند إرسال المراقبين الدوليين لمراقبة النشاط النووي الايراني عن كثب، أكّد أن النص «لا يقول إن لإيران الحق في تخصيب (اليورانيوم)». كيري شكر جهود نظيره الإيراني ظريف، وخلص الى أن الاتفاق الذي تمّ التوصل اليه بين إيران والقوى الكبرى «سيجعل العالم وإسرائيل وشركاءنا في المنطقة أكثر أمناً». الوزير مضى في تقديم تطمينات الى حلفائه الإسرائيليين بالقول إنه «لا يوجد أي فارق بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن الهدف النهائي، وهو أن إيران لن تمتلك القنبلة النووية». وعبّر كيري عن أمله بـ«أن يقود الاتفاق الى علاقة جديدة لإيران مع الغرب ومع جيرانها»، مضيفاً «إنني واثق، تماماً مثل الرئيس باراك أوباما، بأننا قمنا بالخيار الصائب».
الرئيس أوباما، من جهته، وصف الاتفاق بـ«خطوة أولى مهمة»، مشيراً في الوقت عينه الى استمرار وجود «صعوبات هائلة» في هذا الملف. وفي كلمة ألقاها في البيت الابيض، قال أوباما إن هذا الاتفاق الذي تم التوصل اليه في جنيف «يقفل الطريق الأوضح» أمام طهران لتصنيع قنبلة نووية. وجدد الدعوة الى الكونغرس بعدم التصويت على عقوبات جديدة على إيران.
وأكد أوباما أنه «للمرة الاولى خلال ما يقارب عقداً، أوقفنا تقدّم البرنامج النووي الايراني، وسيتم إلغاء أجزاء أساسية منه». وتعهد الرئيس الأميركي بأن «عمليات تفتيش جديدة ستعطي إمكانية وصول أكبر الى التجهيزات النووية الايرانية وستسمح للمجتمع الدولي بالتحقق مما إذا كانت إيران تفي بالتزاماتها».
كذلك أعلن الرئيس الأميركي أن «الولايات المتحدة وحلفاءها اتفقا على منح إيران تخفيفاً بسيطاً للعقوبات مع الاستمرار في تطبيق العقوبات الأقسى»، علماً بأن تخفيف العقوبات تلك يساوي حوالى سبعة مليارات دولار.
وأكد أوباما الالتزامات الأميركية «حيال أصدقائنا وحلفائنا، وخصوصاً إسرائيل وشركاءنا في الخليج الذين لديهم أسباب كافية للتشكيك في نيات إيران». وشدّد على أنه «في نهاية المطاف، وحدها الدبلوماسية يمكنها أن تؤدي الى حل دائم للتحدي الذي يمثله البرنامج النووي الايراني (...) وأن هناك فرصة حقيقية اليوم للتوصل الى اتفاق شامل وسلمي». لذا رأى أوباما أن «علينا وضع ذلك قيد الاختبار»، محذراً في الوقت عينه من أن «الأمر لن يكون سهلاً، إذ لا تزال هناك صعوبات هائلة» في هذا الملف.
لكن المشككين في واشنطن، من دبلوماسيين ونوّاب وشيوخ، ذكّروا بالتجربة الكورية الشمالية، وحذّروا من أن «تلتف إيران على الاتفاق كما فعلت كوريا الشمالية فتحاول تخصيب اليورانيوم من جديد». وحول هذه النقطة، علّق كريستوفر هيل الذي قاد المفاوضات باسم إدارة جورج دابليو بوش مع الكوريين، بأن «الاتفاق (مع الكوريين) دام خمس سنوات وهذا ليس سيئاً»، وأضاف لصحيفة «ذي نيويورك تايمز» «مع الوقت، كل شيء عرضة للانقلاب».
من جهتهم، أعلن عدد من النواب الأميركيين أمس أن على الكونغرس أن «يتبنى قراراً بتشديد العقوبات الاميركية على إيران، لكن هذه العقوبات الجديدة لن تدخل حيز التطبيق إلا إذا أخلّت طهران باحترام اتفاق جنيف».
سياسياً، رأى بعض الصحافيين الأميركيين أن أوباما، في الوقت الحالي، «بحاجة ماسّة الى انتصار داخلي أو خارجي»، وأنه «على الرغم من قِصَر عمر الاتفاق (ستّة أشهر) فقد يمهّد فعلياً لاتفاق أوسع وطويل الأمد». «يكفي أن نعترف بأن أمراً مماثلاً مع إيران لم يكن وارداً خلال عهد جورج دابليو بوش حتى بضغط من الأمم المتحدة حينها»، علّق بعض الصحافيين، فيما قال آخرون إنه «يمكن كيري أن يخرج منتصراً من جنيف، لكن معركة أوباما في الدفاع عن الاتفاق قد بدأت للتو».
وبالعودة الى مقال توماس فريدمان في «ذي نيويورك تايمز»، حول «الزلزال» الذي قد يضرب المنطقة نتيجة اتفاق مع إيران، قال الصحافي إن «مجرّد فكرة عودة الأخ الأكبر إيران الى الساحة وفتح اتصالات مباشرة مع واشنطن قد أغضبت السعودية والامارات ومصر والأردن»، وأولى «إشارات التوتر ذاك بدأت مع تفجير السفارة الإيرانية في بيروت». فريدمان أشار الى انعدام ثقة حلفاء واشنطن في المنطقة بإيران، واقترح على إدراة أوباما أن تعيّن وزير خارجية للشرق الأوسط، «إذ إن إخراج العلاقات الأميركية ــ الإيرانية من الجليد بعد 34 سنة يتطلّب مشاورات يومية دؤوبة والسير يداً بيد مع كل أصدقائنا العرب والإسرائيليين».