جاءت شهادة مدير «وكالة الأمن القومي» الأميركية الجنرال كيث ألكسندر أمام الكونغرس أول من أمس لتزيد من حماوة ملف التجسس الأميركي على الأوروبيين، إذ كشف عن مفاجأة غير متوقعة. وبعد أدائه القسم في جلسة استماع أمام «لجنة الاستخبارات» في مجلس النواب الأميركي، أعلن ألكسندر أن ما كشفته صحف «لوموند» الفرنسية و «إل موندو» الإسبانية و«ليسبريسو» الإيطالية عن تجسس الوكالة على اتصالات مواطنين أوروبيين، «خاطئ تماماً». وقال الجنرال الأميركي «نحن، وبكل وضوح، لم نجمع معلومات عن مواطنين أوروبيين»، موضحاً أن الأمر يتعلق بـ«معلومات تلقّتها وكالة الأمن القومي» من شركائها الأوروبيين.وأضاف ألكسندر إن «ما ذكره صحافيون في فرنسا وإسبانيا عن قيام إن. إس. إي. باعتراض عشرات ملايين الاتصالات الهاتفية خاطئ. فهؤلاء لم يفهموا ما كان أمام أعينهم في الوثائق على غرار الشخص الذي سرق المعلومات السرية». وأكد مدير الوكالة ما كشفته صحيفة «وول ستريت جورنال» عن أن التجسس الهاتفي الذي جرى في تلك الدول ونسب الى «إن إس إي» «قامت به فعلياً أجهزة الاستخبارات الأوروبية، ثم سلّمته للوكالة الأميركية». وأشار ألكسندر الى أن الوكالة «تتقاسم معلوماتها مع الحلفاء الأوروبيين، والعكس صحيح».
وفي الجلسة نفسها، ندّد المدير الوطني للاستخبارات جيمس كلابر الذي يشرف على عمل 16 وكالة استخبارات أميركية؛ بينها «وكالة الأمن القومي»، بـ«عاصفة من التسريبات التي تضرّ بعمل» الوكالات التابعة له. وقال كلابر أمام الكونغرس «أعمل في الاستخبارات منذ خمسين عاماً، ومعرفة نوايا القادة هو مبدأ أساسي في ما نحاول جمعه وتحليله». وأوضح أن الهدف الأساسي هو «تحديد ما إذا كان ما يقوله القادة مطابقاً لما يحصل».
وأكد كلابر وألكسندر رداً على سؤال لأحد النواب أن دولاً «حليفة» مارست أنشطة تجسس على الولايات المتحدة أو قادتها. كما لمّح كلابر الى أن أعضاء الوفد البرلماني الأوروبي الذين يزورون واشنطن لطلب توضيحات من الأدارة الأميركية عن أنشطة التجسس «قد لا يكونون على علم بما تقوم به أجهزة الاستخبارات في دولهم».
من جهته، نفى رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الألماني غيرهارد شيندلر، أمس، اتهامات نظيره الأميركي حول تجسس ألمانيا على الولايات المتحدة. وقال شيندلر «ليس هناك عمليات لمراقبة الاتصالات تجري انطلاقاً من السفارة الألمانية في واشنطن».
والتقى وفد من المستشارية وأجهزة الاستخبارات الألمانية أمس في واشنطن مع ممثلين عن الحكومة الأميركية لاستيضاح مسألة التنصت على اتصالات المستشارة ميركل.
وذكرت وكالة «دي بي إي» أن الحكومة الألمانية تسعى لإبرام اتفاق مع الأميركيين يتعهدون فيه بعدم التجسس على الحكومة أو على البعثات الدبلوماسية الألمانية.
وكان البيت الأبيض قد أكد أنه يعيد تقويم الإجراءات على صعيد التجسس على المسؤولين الأجانب، لكن وعوده ظلت ملتبسة.
وأوضح مسؤول كبير في الإدارة الأميركية أن إدارة باراك أوباما «تدرس إمكان اعتبار التنصت على أحاديث القادة الأصدقاء غير قانوني». في المقابل، وصف هذا المسؤول، الذي رفض كشف هويته، تصريحات رئيسة «لجنة الاستخبارات» في مجلس الشيوخ ديان فاينشتاين حول تلقّيها ضماناً من الإدارة بأن عملية جمع (المعلومات) لدى حلفائنا لن تستمر، هي «غير دقيقة».
وبعد شهادة ألكسندر وما تضمنته من مفاجآت، أقرّ برلمانيون أوروبيون يزورون واشنطن لطلب توضيحات من الولايات المتحدة حول التجسس في أوروبا بأنهم «لا يعلمون ما إذا كان مصدر المعلومات التي تم كشفها هو أجهزة استخبارات أوروبية أو لا».
وقال الألماني المار بروك عضو الوفد «من الواضح جداً أن رقم هاتف المستشارة ميركل عثر عليه في ملفات أميركية»، مضيفاً إن المعلومات المتصلة بفرنسا وإسبانيا «قضية أخرى».
وكانت صحيفة «ذي وول ستريت جورنال» قد كشفت أن عمليات التجسس الهاتفية التي تمت في فرنسا وإسبانيا والتي نسبتها الصحافة الأوروبية الى «وكالة الأمن القومي الأميركية» قامت بها «أجهزة الاستخبارات الفرنسية والإسبانية، ثم تقاسمتها مع الوكالة الأميركية». وأشارت الصحيفة الى أن «مسؤولين أميركيين أكدوا أن الوثائق التي سلّمها سنودن تم تفسيرها بشكل خاطئ».
من جهة أخرى، قال مسؤول أميركي إن الرئيس أوباما أمر «وكالة الأمن القومي» أخيراً بالحدّ من التنصت على مقر الأمم المتحدة في نيويورك في إطار مراجعة برنامج المراقبة الإلكترونية.
والحجم الكامل للتنصت الأميركي على مقر الأمم المتحدة غير معروف علناً، وليس من الواضح أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة أوقفت كل عمليات مراقبة الدبلوماسيين لدى الأمم المتحدة في نيويورك أو في أماكن أخرى في أنحاء العالم.
وأفاد المسؤول بأن مساعدي الرئيس قالوا في إفادات إن البيت الأبيض «لم يعد يريد إجراء بعض عمليات المراقبة على أهداف في الأمم المتحدة»، وأضاف إن القرار اتخذ في الأسابيع القليلة الماضية.
(الأخبار، أ ف ب، رويترز)