بدأت ألمانيا حملة دبلوماسية بعد اكتشاف الوجه الجديد لـ«الصديق الأميركي»، وذلك إثر الزوبعة التي أحدثتها المعلومات عن تجسس الولايات المتحدة على هاتف المستشارة انجيلا ميركل النقال، ما أصابها «بخيبة أمل كبيرة» عبّرت عنها لدول الاتحاد الأوروبي وللرئيس باراك أوباما مباشرة. وأفادت الصحف الالمانية استناداً الى مصادر في أجهزة الاستخبارات أن وفداً ألمانياً رفيع المستوى يضمّ عناصر استخباريين سيتوجه الأسبوع المقبل الى الولايات المتحدة «لطلب توضيحات» من الجانب الأميركي. وأعلن مساعد الناطق باسم المستشارة جورج شترايتر أن «ممثلين رفيعي المستوى للحكومة سيزورون قريباً جدا الولايات المتحدة، بهدف المضي قدماً في المباحثات مع البيت الابيض ووكالة الأمن القومي (إن إس ايه) بشأن قضية التجسس». وأفادت الصحف الألمانية بأن قائد الاستخبارات الألمانية غرهارد شيندلر ورئيس المستشارية، المكلف الاستخبارات، رونلد بوفالا سيكونان ضمن الوفد.
وفي هذه الأثناء تعدّ ألمانيا مع البرازيل قراراً في الامم المتحدة حول حماية المعطيات الشخصية، وفق ما أفاد به دبلوماسيون في الامم المتحدة، ويفترض أن يطرح مشروع القرار يوم الجمعة المقبل على لجنة حقوق الانسان في الجمعية العامة للامم المتحدة.
ورأى بعض المحللين الألمان أن الفضيحة التجسسية تلك «سمحت بتقارب جديد بين ألمانيا وفرنسا»، اللتين أطلقتا مبادرة مشتركة دعمتها الدول الأوروبية الاخرى بهدف التوصل الى اتفاق مع الولايات المتحدة بحلول نهاية السنة بشأن قضايا الاستخبارات. بعض الصحف الألمانية هاجمت الرئيس الأميركي علناً، مثل صحيفة «بيلد»، التي سألت «هل أوباما عديم الأخلاق أو تجاوزته الأحداث؟»، بينما تحدثت صحيفتا «دي فلت» المحافظة و«فاز» عن «أفول نجم أسطورة» باراك أوباما، وأفادت بأن الرئيس الاميركي أكد للمستشارة أنه «لم يكن على علم بالتنصت على هاتفها النقال».
لكنّ صحيفة «بيلد ام سونتاغ» نقلت أمس عن مصادر في الاستخبارات الأميركية أن رئيس «وكالة الأمن القومي» كيث الكسندر أبلغ أوباما عملية تنصّت على اتصالات ميركل عام 2010. وقال مسؤول في «إن إس إي» للصحيفة إن «أوباما لم يوقف هذه العملية، بل سمح باستمرارها».
من جهتها، ذكرت مجلة «دير شبيغل» مساء السبت أنها «تملك وثائق» من وكالة الامن القومي الاميركية تفيد بأن المستشارة الالمانية مدرجة على لوائح التنصت منذ عام 2002، وظلت على هذه اللوائح حتى قبل زيارة الرئيس الاميركي برلين في حزيران الماضي.
وفي ردّ فعل أوّلي على قضية التجسس، دعت المعارضة الألمانية وخصوصاً حركة الخضر وجناح اليسار الراديكالي دي لينكه، الى عقد اجتماع طارئ في مجلس النواب الالماني، آخذين على ميركل التقليل من فداحة فضيحة إن إس إيه. أما منسق الحكومة الالمانية في العلاقات الاطلسية هارالد ليبرخت، فقال إن «الصداقة الالمانية الاميركية لم تعد تحصيل حاصل»، مؤكدا أن «ثقتنا اهتزت». وعن تضرر العلاقات مع أبرز الحلفاء الأميركيين، لخّص وزير الخارجية الأميركي جون كيري مظاهر قلق الدول الحليفة عندما قال قبل أيام «لقد سأل القادة الأجانب أنفسهم أنه في الوقت الذي نتفاوض فيه مع إيران ونتفاوض حول عملية السلام في الشرق الاوسط، هل نستطيع أن نثق بالاميركيين؟».
لكن إجابات البيت الابيض لم تتمكن حتى الان من تهدئة غضب الحلفاء الأوروبيين، الذين يكتشفون يوماً بعد يوم معطيات جديدة حول فداحة عمليات تجسس «إن إس إي» على مسؤوليهم ومواطنيهم. ويتردد أن بعض المسؤولين الاميركيين يسخرون من «الطابع المسرحي» لردود الفعل الأوروبية على مسألة التنصت، مذكرين بأن الكثير من الحكومات الاوروبية، التي تعبر عن استهجانها اليوم، «تشارك هي أيضا في عمليات تجسس».
ميدانياً، تظاهر آلاف المحتجين في واشنطن أول من أمس للمطالبة بإقرار قانون لإصلاح برامج المراقبة التي كلّفت بها «وكالة الأمن القومي» ورفعوا لافتات كتب عليها «أوقفوا الأخ الأكبر»، و«كفّوا عن التجسس على الناس» و«أوقفوا الأكاذيب» و«شكراً سنودن».
وتجمّع المتظاهرون الذين بلغ عددهم بحسب المنظمين 4500 شخص أمام مبنى الكابيتول مقرّ الكونغرس، وأطلقوا هتافات ضد «وكالة الأمن القومي»، من بينها «وكالة الأمن القومي يجب أن ترحل» و«أوقفوا الحكومة السرية».
وقدّم المتظاهرون الى الكونغرس عريضة وقّعها عبر الانترنت أكثر من 575 الف شخص تطالب البرلمانيين بـ«كشف الحجم الكامل لبرامج التجسس لوكالة الامن القومي».
وجرت التظاهرة في ذكرى مرور 12 عاما على إقرار قانون «باتريوت أكت» الذي منح وكالات الاستخبارات صلاحيات موسعة «لمكافحة الارهاب وحماية الامن القومي».
وينوي الكونغرس عقد جلسات استماع بشأن برامج المراقبة في الأسابيع المقبلة، بينما طرح عدد من مشاريع القوانين لتعديل هذا النظام.
وفي رسالة وجهها الى المتظاهرين، قال مسرّب فضائح «إن إس إي» إدوارد سنودن «اليوم، لا يُجري أحد في أميركا اتصالا من دون أن يكون له تسجيل لدى وكالة الامن القومي. اليوم لا عملية شراء عبر الانترنت تدخل الى أميركا او تخرج منها من دون أن تمر عبر وكالة الامن القومي». وأضاف إن «ممثلينا في الكونغرس يقولون لنا إن هذا ليس تجسساً وهذا خطأ».
(الأخبار، أ ف ب)