يتصبب الأميركيون عرقاً عندما يتلاقى الدب الروسي والتنين الصيني لبحث تطوير العلاقات في ما بينهما. يصابون بالغثيان عندما يرون هذا التحالف يحصد نجاحاتٍ على الأرض. هم يدركون جيداً أن العد العكسي قد بدأ من أجل إحلال نظامٍ عالميٍ جديد يضطرون فيه إلى التشارك في عملية صنع القرار مع روسيا والصين.
اجتماع رئيس الوزراء الروسي ديمتري مدفيديف بجين بينغ أمس اتخذ طابعاً اقتصادياً وشهد توقيع 21 اتفاقية تعاون شملت معظم المجالات. أهم تلك الاتفاقيات تلك التي نصت على توريد روسيا 100 مليون طن من نفطها إلى الصين في غضون عشر سنوات، أي ما يعادل العشرة ملايين طن كل عام، مقابل 85 مليار دولار. وفي تصريح لمدفيدف حول الصفقة قال: «إنه مبلغ كبير من المال حتى بالنسبة للصين، وهذه الصفقة تدلّ على أننا قد وصلنا إلى مستوىً جديد من التعاون». وأضاف: «العلاقات الثنائية بيننا لم تصل قط إلى هذا المستوى العالي، وهو أمر جيد لأننا جيران».
وتعتزم الصين في الفترة المقبلة أن تقوم بشراء 24 طائرة مقاتلة من طراز «سوخوي35»، بل ومن الممكن أن تشتري رخصة لتصنيع هذا الطراز من الطائرات الذي يعتبر من أفضل المنتوجات العسكرية الروسية في الأعوام الأخيرة، في بادرة مهمة لناحية تقوية العلاقات بين البلدين. وفي العام 2012 كان التبادل التجاري بين البلدين قد وصل إلى 88 مليار دولار، وهناك خطط لزيادته كي يبلغ 100 مليار في العام 2015 و 200 مليار في العام2020.
سياسياً، يتخذ هذا الحدث أهمية كبيرة من ناحية التوقيت، فيأتي بعد نجاح البلدين في إفشال جهود الولايات المتحدة في حشد دعم دولي لشن حرب ضد سوريا، إذ إن النشاط الدبلوماسي لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأدلة التي قدمتها روسيا في الأمم المتحدة والتي تنفي تهمة استعمال السلاح الكيميائي عن قوات النظام السوري، إضافةً إلى استعمال البلدين للفيتو في ثلاث مناسبات ضد اقتراحات الحرب ضد سوريا، حالت دون تحقيق الرغبة الأميركية ونشوب هذه الحرب. نجاح سياسي لروسيا والصين في سوريا كان قد سبقه نجاح آخر في إيران؛ فلطالما وقفت هاتان الدولتان في وجه أي خيارٍ عسكري يطرح من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل ضد الدولة الفارسية.
تنامي قوة التحالف الروسي ــ الصيني يطرح اليوم أسئلة حول قدرة الولايات المتحدة على قيادة العالم منفردة، خصوصاً بعد أزمتها المالية التي ما زالت تلقي بظلالها على اقتصادها إلى يومنا هذا، وآخر فصول هذه الأزمة كان توقف جميع المراكز الحكومية الأميركية عن العمل لأكثر من أسبوعين. كما أنها تعاني من تراكم الديون، إذ بلغ مجموع مديونية الحكومة الأميركية 16 تريليون دولار، يعود منها 1.2 للحكومة الصينية، الأمر الذي لم يعد يسمح للأميركيين بالمبالغة في إزعاج الصينيين. تترافق هذه المصاعب الاقتصادية مع تراجعٍ للدور السياسي الأميركي على الساحة الدولية، وهو ما يدفع ببعض الأميركيين لإلقاء اللوم على رئيسهم باراك أوباما وسياسته الداعية للحوار مع الخصوم كسبب رئيسي في تراجعهم وإفساح المجال أمام دولٍ أخرى للحلول مكانهم.
هذا التفوق الروسي ــ الصيني على الساحة الدولية يعيد إلى الأذهان معاهدة «شنغهاي» التي شهدت في العام 1996 أول تعاون جدي بين الجارتين العظميين. اتفاق «شنغهاي» ذاك لم يكن في حينها بتلك الأهمية الكبيرة بالنسبة للغرب، فهو لم يتطرق سوى إلى تسوية الحدود بين الصين والدول السوفياتية السابقة. اليوم، وبعد 17 عاماً على توقيع أول صيغةٍ من هذه الاتفاقية، بات واضحاً أنها حملت الكثير من المعاني بين سطورها. خلال الـ17 عاماً تلك تغيرت معالم الدولتين، روسيا استعادت دورها العالمي والصين زادت من سرعة نموها الاقتصادي الصاروخي، وساعدهما في ذلك وفرة الموارد الطبيعية في أرضيهما. تحالف يشكل الآن خطراً حقيقياً على الهيمنة الأميركية في ظل تقهقر دور الأخيرة على الصعيد السياسي، والأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط كانت خير دليل على هذا الأمر.
التحالف الروسي ــ الصيني هو مزيجٌ متكامل من القوة الاقتصادية والعسكرية، فالصين هي صاحبة ثاني أقوى اقتصادٍ في العالم خلف الولايات المتحدة، وروسيا تحتل المركز الثاني كأقوى قوة عسكرية في العالم خلف الدولة ذاتها، وهما ما فتئا يشددان الخناق عليها، فلم يعد بمستغرب أن نرى هذا التحالف وقد تساوى مع «أكبر قوة في العالم» ليغير من وجه الخريطة السياسية.
قريباً قد ينتهي عصر الحكم الأحادي للعالم، التقارب الروسي الصيني واتفاق «شنغهاي» لم يعد مجرد حبرٍ على ورق. هذا الاتفاق الذي بدأ متواضعاً، أنتج اليوم قوتين عظميين تزاحمان الولايات المتحدة على قيادة العالم.