«قد لا تنضم تركيا أبداً إلى الاتحاد الأوروبي». بهذه الكلمات عبّر وزير شؤون الاتحاد الأوروبي التركي أجمن باغيش في الحادي والعشرين من الشهر الفائت عن استياء حكومته من الإجحاف الذي يتعرّض له الملف التركي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، موجهاً اللوم إلى بعض دول الاتحاد كألمانيا وفرنسا.
تصريح الأتراك هذا، الذي يأتي مع اقتراب موعد استكمال مناقشة دخول تركيا إلى الاتحاد الاوروبي خلال هذا الشهر، مفاجئ، إذ مرّت 26 عاماً منذ أن تقدّم الأتراك بملف ترشّحهم لدخول الاتحاد الأوروبي، حاولوا خلالها بشتّى الطرق إقناع الأوروبيين بالسماح لهم بالدخول إلى ناديهم الخاص. ورغم أنهم لم يلقوا آذاناً صاغية لنداءاتهم، لم ييأسوا. أما اليوم، فيظهر الإحباط جليّاً في تصريحات باغيش، في أن يصبح الحلم التركي بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي بعيد المنال.
تعتقد تركيا أنّ السبب الرئيس لرفض جيرانها الأوروبيين، غير المعلن، لملفها والمماطلة في استكمال المفاوضات معها، هو «إسلاموفوبيا» الغرب، علماً بأن تركيا هي الدولة الثانية بعد المغرب ذات الغالبية المسلمة التي تقدّمت بطلب ترشيح لدخول الاتحاد الأوروبي، وقد رفض طلب المغرب لأنها ليست دولة أوروبية.
يرى الأتراك أنهم استوفوا شروط الأوروبيين كاملة للدخول في الاتحاد: فاقتصادياً تتفوّق تركيا على عدد من دول الاتحاد كاليونان صاحبة الاقتصاد المنهار في عام 2011 وبعض دول أوروبا الشرقية المنضمة حديثاً. وديمقراطياً يرى الأتراك أنّ دولتهم بالرغم من الغالبية المسلمة التي تقطنها، هي علمانية وفيها من الحريات ما يكفي لجعلها عضواً في الاتحاد الأوروبي. لذلك لا يرون سبباً حقيقياً لرفض الأوروبيين ملفهم سوى خوفهم من دخول الإسلام رسمياً إلى أوروبا.
ويبدو أن هذا هو السبب الحقيقي فعلاً، إذ يجد الأوروبيون صعوبةً في هضم فكرة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ويرون أنّ لتركيا طابعاً إسلامياً لا يتفق مع الصورة المسيحية لأوروبا، بحسب ما ورد في استطلاعات رأي مشتركة أجرتها جامعة غرناطة الإسبانية وبوغازاتشي التركية أوائل عام 2010. كذلك فإنه ليس هنالك من تاريخ مشترك بين الطرفين والاختلافات الثقافية بينهما كبيرة جداً.
ويزيد من صعوبة الموافقة عودة تركيا إلى الشرق الأوسط، إذ تعدّ العودة التركية إلى ساحة الأحداث في الشرق الأوسط كعودة السمكة إلى المياه. فهي ارتبطت تاريخياً بدول هذه المنطقة وشعوبها عن طريق السلطنة العثمانية، كما أنّ عادات الشعب التركي وتقاليده هي أقرب إلى العرب منها إلى الأوروبيين. يضاف إلى ذلك أنّ سياسة التقارب التركي ــ العربي لم تساعد تركيا للدخول في الاتحاد الأوروبي، بل على العكس، أثبتت نظرية الأوروبيين القائلة بعدم انتماء تركيا إلى الثقافة الأوروبية والتي عبّر عنها بصراحة وزير المال الألماني فولفغانغ شوبلي في الثالث من شهر تموز الماضي.
على المستوى الرسمي يعلم الأوروبيون أنّ دخول تركيا سوف يؤثر بقوة في القرار السياسي للاتحاد الأوروبي، إذ إن المقاعد داخل البرلمان الأوروبي تتوزّع حسب التعداد السكاني للدول الأعضاء، ما سيجعل من تركيا ثاني أكبر قوة داخل الاتحاد بتعداد سكاني يبلغ 75 مليون نسمة، لا تتخطاها سوى ألمانيا. وهذا عائق أساسي أمام دخول تركيا في الاتحاد، إذ سيصبح للأتراك صوت مؤثر ومسموع داخل غرف اتخاذ القرارات الأوروبية. لكن في ظل غياب التناغم ما بين سياستي تركيا والاتحاد الأوروبي، من غير المحتمل أن نرى أي تقدّم للملف التركي.
وفي هذا السياق يؤخذ على رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان عدم قيامه بأي خطوات لتقريب وجهات النظر مع الأوروبيين. تعود سياسة «المواجهة» المعتمدة من قبل أردوغان وحكومته لتلقي بظلالها على علاقات تركيا الدبلوماسية ولكن مع جيرانها الأوروبيين هذه المرة، إذ منذ وصوله إلى سدة الحكم في عام 2003 جلّ ما قام به هو إبعاد تركيا عن الأتحاد الأوروبي، فقاد هجوماً شرساً على الاتحاد الأوروبي بسبب سكوت الأخير عن «المجازر» التي ارتكبها الجيش المصري أواخر شهر تموز الماضي بحق مناصري جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة. هو ليس الهجوم الأول الذي يتولاه أردوغان ضد الاتحاد الأوروبي، فقد انتقده بشدّة من قبل بسبب دعمه غير الكافي للمعارضة السورية، كما أن وصفه لحركة حماس الفلسطينية بالمقاومة الشرعية ضد الاحتلال الإسرائيلي في عام 2010 لم يلق إعجاب دول الاتحاد. وعندما أتى الدور على دول الاتحاد لتوجيه النقد إلى حكومة أردوغان إزاء طرقها العنيفة في التعامل مع الاحتجاجات الشعبية التي حصلت في إسطنبول منتصف شهر حزيران الماضي، ردّ أردوغان بعنف، واصفاً إياها بالدول المعادية للديمقراطية.
هذه السجالات الإعلامية أدّت إلى تأزّم علاقات تركيا الدبلوماسية مع بعض دول الاتحاد، أبرزها ألمانيا التي كانت المعارض الأبرز لاستكمال المفاوضات مع تركيا، تاركةً الآمال التركية بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في مهبّ الريح.