واترلو | تعرض مبنى الكونغرس الأميركي أمس لاطلاق نار خارجه، حسبما أعلن معاون في مجلس الشيوخ وضابط في شرطة الكونغرس الأميركي، ما أدى إلى إصابة العديد من الأشخاص بينهم ضابط شرطة. وقال السناتور روجر ويكر، لوكالة «فرانس برس»، انه سمع ست طلقات نارية في حين ان زميله برني ساندرز، قال انه سمع أربع طلقات. وافادت «فرانس برس» بأن محيط مبنى الكابيتول أُخلي في حين جال عناصر مسلحون من الشرطة في المكان وفي الطرق المجاورة.
في الوقت نفسه طوّق الجهاز الأمني الذي يؤمّن حماية الرئيس الأميركي باراك أوباما، البيت الابيض ومنع الدخول اليه او الخروج منه.
ويوم أمس دخل تعطل الحكومة يومه الرابع غداة فشل لقاء بين الرئيس وقادة الكونغرس في التوصّل إلى تسوية تشمل أيضاً رفع سقف الدين العام الذي ستصطدم به البلاد في 17 تشرين الأول الجاري، وفي حال لم تتمكن من تعديله تصبح غير قادرة على احترام التزاماتها.
لطالما وجه الجمهوريون اتهامات إلى الرئيس أوباما بأنه يرفض الحوار معهم في لعبة النظام الأميركية. مع انتخابه لولاية ثانية، تكثفت الدعوات لكي ينسّق مع أعدائه السياسيين. غير أنّ الحزب الجمهوري جنح أكثر صوب خيارات تفرضها أقلية متطرفة أضحت تُعرف بحزب الشاي، ولا تعرقل فقط الموازنات بل أيضاً مشاريع تُعد تقدمية قياساً بحالة المجتمع الأميركي.
مع انطفاء الحكومة الأميركيّة نتيجة رفض الغالبية الجمهورية في مجلس النواب إمرار موازنة العام المالي 2014، يظهر تحدّ واضح للإدارة الديموقراطية من دون أي اعتبار للمصلحة الوطنية للبلاد أو لحجم الخسائر التي تتكبدها من جراء هذا الوضع.
يتطلّع يمين الحزب الجمهوري إلى كسر سياسة أوباما في تعزيز دور الدولة لتأمين الخدمات الأساسية. وحتّى بوجوده في هذا الموقف المحرج يريد الحصول على تنازلات من الرئيس.
بعد اجتماع البيت الأبيض، صرّح رئيس الغالبية الجمهورية في مجلس النواب، جون باينر، بأنّ «الرئيس كرر مرة جديدة القول إنه لا يريد التفاوض». وفي ذلك إشارة إلى تسوية لتأجيل أو إلغاء التمويل لمشروع الرعاية الصحية مقابل إمرار مشروع الموازنة أو إمرار مشاريع تفصيلية لتسيير شؤون الحكومة التي تعاني اليوم من دخول أكثر من 800 ألف موظف من جهازها البشري في إجازة جبرية غير مدفوعة، إلى درجة أن المؤسسة العسكرية حذرت من انعكاسات هذا التعطل على عمل الجيوش الأميركية.
في مقابل هذا الموقف، يتمسّك الديموقراطيون بضرورة إمرار مجلس النواب موازنة شاملة تضم مشروع الرعاية الصحية الذي وقّعه أوباما في عام 2010. وبحسب رئيس الاغلبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ هاري ريد، فإنّ اجتماع البيت الأبيض شهد تشديدنا على «تمسكنا القوي بهذا المشروع».
في هذا الوقت، تستمرّ البلاد في تكبّد الخسائر المباشرة وغير المباشرة جراء تعطل الحكومة وتعنت الجمهوريين ورفضهم حتى اليوم رفع سقف الدين العام إلا في إطار تسوية شاملة مع البيت الأبيض. وقد حذّرت وزارة الخزانة أمس من أن عدم رفع سقف الدين فوق 16.7 تريليون دولار وعجز الحكومة عن الوفاء بالتزاماتها قد يكونان «سابقة وكارثة محتملة».
وقالت الوزارة في تقرير إنّ «سوق التسليف قد يتجمد وقيمة الدولار قد تنهار وأسعار الفائدة الأميركية قد ترتفع بقوة، ما يقود الى أزمة مالية وانكماش سيذكّران بأحداث 2008، وحتى أسوأ من ذلك».
«ما هكذا تُدار البلاد»، عنونت المجلة البريطانية «إيكونوميست» غلافها هذا الأسبوع. فعلاً، المشكلة لم تعد فقط في النزاع حول مشروع الرعاية الصحيّة، بل في النظام السياسي برمّته، إلى درجة أنّ هناك أصواتاً اليوم تدعو حزب الشاي اليميني إلى الانفصال كلياً عن الحزب الجمهوري.
في هذا التأمّل عودة إلى تجربة الانفصاليين عن الحزب الديموقراطي في عام 1948. تم تشكيل هذا الحزب اليميني المتطرف ــ المسمى «الحزب الديموقراطي لحقوق الولايات» ــ بخلفية الحفاظ على استقلالية الولايات الجنوبية بعيداً عن «تسلط الحكومة الفدرالية». وفعلاً كان اسمه المتداول في اللغة الانكليزية «Dixiecrats»، وهو دمج بين كلمة Dixie التي ترمز مباشرة إلى الولايات الجنوبية وبين كلمة Democrats في إشارة إلى الإرث السياسي للمغامرين في هذه التجربة.
وما حمله هؤلاء يُشبه بتطرّفه ما يطرحه الجمهوريون حالياً. فحينها كان البرنامج رفض الدمج العرقي والحفاظ على سيادة البشرة البيضاء وتفوقها، إضافة طبعاً إلى استقلال الجنوبيين والانسلاخ عن النسيج الوطني.
لم يعش هذا الحزب ليرى عاماً جديداً. ومباشرة بعد انتخابات عام 1948، عاد قادته الذين كانوا في مراكز مهمة في الولايات حيث يتمتعون بثقل، إلى كنف الحزب الديموقراطي.
هل يُمكن أن تُسجّل التجربة نفسها مع تيار الشاي حالياً؟ بطريقة أو بأخرى، يبدو أنّ مصلحة الأميركيين بكل أطيافهم أن يحصل ذلك، في الحد الأدنى لكي لا تتكرر لحظات كهذه في حياة النظام الاميركي.
ولكن من يخض الحرب اليوم ضد الإدارة الديموقراطية يريد إثبات فكرة سياسية، إضافة إلى التعطيل، لتشويه مشروع الرئيس الصحي. وفقاً لكلمات النائبة الجمهورية، مارشا بلاكبورن، فإنّ الشعب الأميركي «سيعي على الأرجح أنه يستطيع العيش في ظلّ دولة حجمها أصغر بكثير مما كان يعتقد».